رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيـرات الدولية والإقـليمية .. وأزمة تفجير الطائرة السوخوى


ذكرت فى المقال السابق أنه يبدو لى أن الولايات المتحدة تقوم بتعـظيم دور تركيا، لتجعـل منها نــداً للقوة العالمية المنافسة لها، حيث استغـلت شخصية القائد السياسى لتركيا التى تجمع بين جنون العـظمة ووهم الخلافة وأمره بإسقاط المقاتلة الروسية، وأعلنت تأييدها لحق تركيا فى الدفاع عن سيادتها وحماية مجالها الجوى، ويبدو أن الولايات المتحدة تهدف من تعـظيم الدور التركى توجيه رسالتين محددتين، الأولى للعالم بأسره لتؤكد أنها ستظل منفردة متربعة على قمة هرم النظام الدولى كرهًا أو طوعًا كقطب وحيـد يتحكم فى قيادة تفاعـلات النسق الدولى ، والثانية إلى روسيا لتؤكد على أنها لن تمكنها من تحقيـق التوازن الدولى الذى يؤهلها لاستعادة نفوذ القوة السوفييتية العـظمى، لتقاسمها النفوذ على الساحة الدولية مثلما كان الحال فى النظام الدولى ثنائى القطبية الذى ولى وانقضى، وأنها ستعمل على بقائها كقوة إقليمية غارقة فى مشكلاتها مع القوى الأخرى فى نسقها الإقليمى «أوكرانيا من قبل ثم تركيا من بعـد»، وعليها قبول ذلك رغـبا فى مقابل أن تسمح لها بالحركة فى هامش المناورة الذى تُحدده لها الولايات المتحدة ، بدلاً من أن تقبله رهبا بمزيد من العـقـوبات الاقتصادية ومزيدًا من العـزلة السياسية، بل وتجعـلها دولة حبيسة عـندما تُغلقتركيا مضيقى البسفور والدردنيل إذا ما حاولت القيام بعـمل عـسكرى ضدها.

وتشير مسارات الفعـل ورد الفعـل فى علاقات روسيا وتركيا وحلف الناتو بعـد إسقاط القاذفة الروسية ، إلى تسارع وتراكم وكثافة التفاعلات إلى حد التصعـيد للحدود القصوى للتوتر، بل ربما إلى المواجهة المباشرة، خاصة بعـد التخلى النسبى للولايات المتحدة وحلف الناتو عن تركيا، وتمسك روسيا بضرورة قيام تركيا بالاعـتـذار الرسمى، وقد صرح «لافروف» منذ بداية الأزمة بأن روسيا لا تنتوى شن حرب ضد تركيا، الأمر الذى يتناقض مع خطاب الرئيس بوتين أمام البرلمان الروسى الذى تضمن العـبارة التالية «واهم من يتصور أن رد روسيا على تركيا سيكون مقصوراً على العـقوبات الاقتصادية، فنحن عازمون على أن نجعـلهم يندمون على فعـلتهم التى ارتكبوها»، بالرغم من أن تركيا قد أعلنت كثيرًا من التصريحات التى تنم عن أسفها واعـتذارها التى جاءت على ألسنة مسئوليها مثل «لو كنا نعلم أنها طائرة روسية ما قمنا بإسقاطها»، «نريد أن نجرى حواراً مع روسيا لتضييق هوة الخلاف معـها».

وتشير مسارات الفعـل ورد الفعـل إلى أن البنتاجون الأمريكى أصدر بيانًا بعـد الحادثة أبدى فيه عدم قناعـته بالمبررات التى ساقتها تركيا، إذ ثبت أن الطائرة الروسية قد حلقت لبضع ثوان فى مجالها الجوى، وهو ما يُقوض الإدعاءت التركية بتحذير الطائرة أكثر من عشر مرات قبل إسقاطها، حيث لا يستوى أن تتم هذه التحذيرات العـشرة خلال هذه الثوانى المعدودة، وحتى لو طالت مدة تحليق الطائرة الروسية فى مجالها الجوى أكثر من ذلك، لتمكنت طائراتها المقاتلة الإقلاع وإجبارها على الهبوط فى قاعدة إنجرليك أو قاعـدة كورتشيك القريبتين من الحدود السوريـة، ولكان هذا الإجراء هو الأكثر نفعًا لها بدلاً من إسقاطها، فعـندما تحتجز تركيا طائرة قوة عظمى فى أراضيها، لاستطاعـت أن تقفز إلى مصـاف الدول العـظمى باحتجازها طائرة القوة العسكرية الثانيةعالميـا، لكن جنون العـظمة ووهم الخلافة قد أعميا القائد السياسى التركى، فقد أكدت البصمة الحرارية للطائرة أنها قـد أسقطت فى الأراضى السورية المتاخمة للحدود التركية.

وتشير ذات المسارات إلى أن حلف الناتو قد بدأ يخطب ود روسيا أيضًا، خاصة بعـد أن لجأت تركيا للاحتماء به، حيث استشعـرت أن حماقتها التى ارتكبتها قد تُكلفها مكانتها التى اكتسبتها منذ اعتلاء حزب «العـدالة والتنمية» والنهضة الاقتصادية التى حققها، حيث دعا الأمين العام للحلف روسيا بضبط النفس وأعلن «أن حلف الناتو على استعـداد كامل لاستئناف التعاون مع موسكو فى إطار مجلس «الناتو ـ روسيا» والمعروف أن هذا المجلس قد توقفت جلساته بعـد قيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم على إثر الاستفتاء العام الذى انتهى بموافقة مواطنى شبه الجزيرة بالانضمام إلى روسيا، والتى كانت أصلاً أرضاً روسية وقام خروشوف ذو الأصل الأوكرانى بضمها إلى أوكرانيا عام 1954، ثم أضاف أنه يدعـو الطرفين إلى ضبط النفس، والعمل على تخفيف حدة التوتر ، فهل ينجح أمين الحلف فى مسعاه؟ وماذا إذا أصرت روسيا على ضرورة اعـتذار تركيا؟ وإذا لم تعـتذر، فما العـقوبات التى تجعـل تركيا تندم على ما أقدمت عليه كما أعلن بوتين؟ هذا ما سأتناوله فى الأسبوع المقبل بإذن الله.