رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى كتاب الأخلاق «1»


سبب انجذابى لكتاب «الأخلاق» للأستاذ أحمد أمين هو تطابق الأقوال والمبادئ المنشورة فى الكتاب مع الحياة الشخصية للكاتب والتى وجدتها فى سيرته الشخصية وأيضاً فى أولاده وأحفاده وحتى الجيل الرابع. جميعهم تميزوا بالصدق والأمانة والنزاهة والجدية فى العمل. أنا لم أعاصر الأستاذ أحمد أمين لأنه عند وفاته فى عام 1954 كنت أبلغ من العمر 4 سنوات، لكنى تعاملت – عن قرب – مع ابنه «د. جلال أحمد أمين» وأيضاً حفيدته «د. زينب حافظ أحمد أمين» ثم ابن وابنة د. جلال ونجل د. زينب. ومن هنا سأبدأ تسجيل انطباعاتى عن معظم فصول الكتاب التى تضم العديد من القيم والمبادئ والمفاهيم الإنسانية السامية التى فقدناها بسبب طغيان المادة وشهوة المتكاءات الأولى والرئاسات الباطلة.

على مدى ست صفحات «صفحة 195 – 200» بالطبعة الثالثة التى صدرت عام 1931، يتحدث الأستاذ أحمد أمين عن «الانتفاع بالزمن». وهو أمر فى غاية الأهمية وبالأخص بالنسبة لنا نحن المصريين. فيقول: «الزمن كالمال، كلاهما يجب الاقتصاد فيه وتدبيره، وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره لوقت الحاجة بخلاف الزمن. قيمة كل من الزمن والمال فى جودة إنفاقه وحُسناستعماله، فالبخيل الذى لا ينفق من ماله إلا فيما يسدّ رمقه فقير، كمن كانت أمواله مزيفة، كذلك من لم ينفق زمنه فيما يزيد من سعادته وسعادة الناس فعمره مزيف». وليس للانتفاع بالزمن والمحافظة عليه إلا طريق واحد، هو أن يكون لك غرض فى الحياة ترضى عنه الأخلاق فنظم زمنك للوصول إليه. وعدم وجود للإنسان غرض سعى إليه، وعدم إخلاص الإنسان لهذا الغرض هما اللصان اللذان يسرقان الزمن ويضيعان فائدته «وهنا أود أن أضيف ككاتب هذا المقال، إنه فى الأدب الرهبانى يُطلق على هذه الجزئية تعبير: تسويف العمر باطلاً».

الزمن هو المادة الخام للإنسان، كالخشب الخام فى يد النجار والحديد الخام فى يد الحداد، فكل يستطيع أن يسوغ منه حياة طيبة بجدّه، وحياة سيئة بإهماله. ولأجل أن نجعل لحياتنا قيمة يجب أن نقضى أوقاتنا فيما يتفق وأغراضنا «وهنا أود أن أضيف ككاتب هذا المقال، المثل اليونانى يقول: أخرونوس أستو أخروسوس – أى الوقت من ذهب».

ومما يعين على الانتفاع بالزمن أن نعرف كيف نبتدئ العمل، وكيف نستمر فيه حتى ننتهى منه. ولعل من أشق الأشياء معرفة الإنسان كيف يبتدئ عمله، وكثير من الزمن يذهب سُدّى فى التفكير فى ذلك. فإذا بدأ فقد قطع شوطاً بعيداً للنجاح، بعد ذلك يجب أن يستمر، وإنما يستمر بالعزم القوى الثابت.

إن استعمال أوقات الفراغ استعمالاً حسناً من أهم مسائل الحياة التى يجب العناية بها والتفكير فيها، فإن أكثر أعمارنا تذهب سُدّى لأنّا لا نعرف كيف نستعمل أوقات الفراغ، يقضيها الأطفال فى الحارات والشوارع بلا فائدة، ويقضيها الشباب والشيوخ على «القهوات» حيث لا هواء نقياً ولا منظراً حسناً ولا رياضة بدنية ولا فكرية – أوقات طويلة تذهب فى كلام لا قيمة له، أو لعب لا يفيد، ولا يُقصد منه إلا «قتل الوقت» – وأثر ذلك فى أوقات العمل كبير، فمن لم يعرف كيف يلهو لم يعرف كيف يجدّ.