رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسالة رعوية من البابا شنودة


فى أواخر أربعينيات القرن العشرين وأوائل الخمسينيات تتلمذ الشاب نظير جيد «البابا شنودة فيما بعد» على يد الأب متى المسكين. وكانت ثمرة التلمذة كتاب «انطلاق الروح» ثم الرهبنة بدير السريان فى يوليو 1954. وقد سجل – بقلم مبدع وفكر مستنير وأمانة كاملة حواراً تخيله – حدث فى السماء - دار بينه وبين ملاك مدينة الخدام التى تضم بطاركة وأساقفة وكهنة وشمامسة. رسالة تصلح لأساقفة الكنيسة الحاليين بعد أن ازدادت الفجوة بينهم وبين أفراد الشعب!! حتى أن بعضهم أخذ ينتهر الشعب والبعض الآخر يتأفف من الفقراء والمساكين والمعوزين والبعض الآخر يقضى وقته فى جولات خارجية فى وسط احتفالات لتمجيد الذات وسماع كلمات المديح والهروب من الفقر الاختيارى!! فتحت عنوان «طوبى للجياع والعطاش إلى البر لأنهم يشبعون»  كتب فى كتاب «انطلاق الروح» يقول:

نظر إلىّ الملاك وقال: «هل كنت جوعاناً وعطشاناً إلى خلاص النفوس؟ هل كنت طول الأسبوع تحلم بالساعة التى تقضيها وسط أولادك فى مدارس الأحد؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب أحدهم؟ وبشوق كبير إلى رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتى تجده وتعيد عليه شرح الدرس!  ثم الأمر الآخر وهو حب المخدومين هل كنت تحب من تخدمهم وتحبهم إلى المنتهى مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه؟ هل كنت تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان؟ وهل أحبك تلاميذك أيضاً؟ أم كنت تقضى الوقت كله فى انتهارهم ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز؟ من قال لك إن تلك الطريقة صالحة لمعالجة الأولاد؟ إن المحبة يا صديقى الإنسان هى الدعامة الأولى للخدمة. إن لم تحب مخدوميك لا تستطيع أن تخدمهم وإن لم يحبوك لا يمكن أن يستفيدوا منك».

وأطرقت فى خجل مرير وقد انكشفت لى حقيقتى بينما نظر إلى الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال: «هناك ولد طردته من مدارس الأحد لعصيانه وعدم نظامه فأوجد هذا الطرد عنده لوناً من العناد وقذف به إلى أحضان الشارع والصحبة الشريرة فأصبح أسوأ من ذى قبل وحاقت به من تصرفك أضرار جسيمة خاصة أنه فى حالته الجديدة فقد المرشد والعناية ولابد أنك مسئول عن هذا لأنه فى حدود عملك».

فأجبت: ولكنه ياسيدى الملاك كان يفسد علىّ الدرس بل كان قدوة سيئة لغيره.

فأجاب الملاك فى مرارة: «وهل من أجل ذلك طردته؟ يالك من مسكين: هل أرسلك السيد المسيح لتدعو أبراراً أم خطاة إلى التوبة؟ إن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتى ترجع قداستهم إلى عمل الله فيهم أما ذلك المشاكس فهو الذى كان يجب أن تتناوله بالرعاية لمثل هذا النوع دعاك الله. ولو إنك كرست جهودك كلها لإصلاح هذا الولد فقط ولم يكن لك فى حياة الخدمة غير هذا العمل لكان هذا وحده كافياً لدخولك مدينة الخدام، كان يجب أن تُقّدر قيمة النفس وأن يكون لك الكثير من طول الأناة». فقلت للملاك فى رجاء: وماذا كنت تريدنى أن أعمل مع هذا الولد؟ فأجاب: ... ننتظر الحلقة المقبلة.