رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صوت الأم


منذ بضعة أيام كنت بمكتبى القائم بالمبنى الفرعونى الرائع بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية. ثم خرجت من المكتب لأتجول قليلاً بالبهو الفرعونى الجميل الذى أمام مكتبى، وإذ بى أجد منظراً رائعاً توقفت عنده مندهشاً حتى كدت أن أنسى كل ما هو حولى!! وجدت قطة صغيرة تحمل بفمها كيساً أبيض شفافاً لم أستطع أن أتبين ما بداخله، وعند مكان ما فى طريقها سمعتها تصدر صوتاً بفمها – على الرغم من أنها مازالت تحمل ذلك الكيس – وفى تلك الأثناء وجدت مجموعة من القطط الصغيرة جداً تحضر مسرعة من أماكن مختلفة وتهرع نحو الصوت. وفى لحظة وجدت القطة تضع بحرص الكيس الأبيض الذى كان بفمها واستلقت على الأرض، وإذ بالكيس كمية من الطعام أحضرته القطة الأم لصغارها وعنده تجمعت القطط الصغار حول الطعام – دون أى شجار بينهم - وأخذوا فى تناول الطعام بينما الأم مستلقاة على الأرض فى استرخاء بعد أن أكملت السعى نحو إطعام صغارها. وهذه هى طبيعة الأمومة التى لا تتغير بتغير الزمن. حتى إن الله – تبارك اسمه – عندما أراد أن يبين للبشر مدى رعايته الفائقة لكل نفس «كما ورد فى الكتاب المقدس» قال: «إن نسيت الأم رضيعها أنا لا أنساكم»، فالأم لا يمكن أن تنسى رضيعها، لكن إن حدث هذا «ولن يحدث» فالله لا يمكن أن ينسى أى فرد منا.

أذكر قصة حدثت معى وأنا طفل – فى مرحلة الحضانة – كانت قد ذكرتها لى والدتى «قدس الله روحها» والتى توفيت عام 1978 وهى تبلغ من العمر نحو 54 عاماً!! كانت تذهب بى إلى الحضانة – الكائنة بجوار منزلنا بالإسكندرية – فى الصباح الباكر، وعند فترة الظهيرة تحضر إلى الحضانة لتعود بى إلى منزلنا. حدث فى يوم من الأيام – لسبب أو لآخر – تأخرت عن موعدها فى الحضور إلى المدرسة. فتقول لى: «عندما حضرت وجدتك جالساً وحيداً فى فناء الحضانة وتضع صدغك الأيمن على كف يدك اليُمنى المسنودة على ركبتك اليمنى، وما أن رأيتنى حتى هرعت نحوى قائلاً: هو أنتِ نسيتنى يا ماما؟»، وهنا أخذتنى فى حضنها وقبلتنى وقالت لى: «هو أنا أقدر أنساك؟».

هذه هى الأم التى تهتم بصغارها. حتى وطننا المحبوب مصر، أخذ صفة الأم للدلالة على عمق محبة مصر لأبنائها، فنقول مصر أمنا. والوطن يقدم كل التضحيات المختلفة من أجل رفاهية وسعادة أبنائه. ويكفى فى الفترة الأخيرة – فى أحداث السيول والأمطار التى اجتاحت الإسكندرية والمحافظات الأخرى – سمعنا وشاهدنا قصص أمومة رائعة قامت بها الأمهات للحفاظ وحماية صغارها. وفى العصور المسيحية الأولى عندما كانت الكنيسة القبطية تقف بشدة فى مواجهة الوثنيين طالعنا ما سجله لنا التاريخ من قصص أمومة رائعة لأمهات قبطيات نحو أبنائهن الصغار للحفاظ على إيمانهم ولا يضعفنَّ أمام عبادة الأوثان بل كانت تشجعهم على الحفاظ على الإيمان.

الأم ثروة قومية يجب أن نهتم بها من أجل تنشئة جيل قوى يحب وطنه ويخلص له، وعلى الفتيات الصغيرات – أمهات المستقبل – أن يلاحظن بوعى تصرفات أمهاتهن وتضحيتهن الفائقة لينشأن على صفات الأمومة الجميلة.