رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمثلة فى الإدارة الحكيمة.. والواعية


الإدارة ليست سلطة وتسلطاً.. الإدارة ليست رئاسة وأوامر ونواهى.. الإدارة ليست ممتلكات ومخصصات وثراء.. الإدارة ليست كل هذا، بل هى أولاً وأخيراً خدمة سواء فى الخفاء أو فى العلن. الإدارة تعب ومعاناة. الإدارة هى البحث عن المصلحة العامة من أجل راحة الإنسان ونشر العدالة والمساواة بين الجميع. الإدارة خدمة الإنسان من أجل الإنسان. وهنا فى ذهنى مثالان يُظهران بقوة المفهوم الحقيقى للإدارة أحدهما رأيته بنفسى والآخر ذكره لى والدى طيب الذكر الأستاذ بديع عبد الملك (1908 – 1979) المتخصص فى الرسم الفرعونى والآثار المصرية بالمتحف اليونانى الرومانى بالإسكندرية.يذكر لى والدى أن سيارات النقل العام كانت شركة خاصة تحمل اسم صاحبها «أبو رجيلة». ماذا كان يفعل صاحب الشركة من أجل المحافظة على اسم الشركة ومنأجل إدارة العمل بدقة؟ كان يتخفى فى زى مواطن عادى – وليس فى زى صاحب العمل، حيث الملابس الأنيقة والحرس والتشريفات وطاقم الحراسة والسكرتارية ... الخ، ويذهب بنفسه سيراً على الأقدام إلى إحدى محطات سيارات النقل العام بالقاهرة ويستقل السيارة عند وصولها للمحطة – وهنا يسجل موعد الوصول، ثم يسدد ثمن التذكرة ويجلس على أحد مقاعد السيارة بين الركاب ويدون ملاحظاته على السائق فى مدى انتظامه فى الوصول للمحطات فى موعدها، ثم مغادرة المحطة فى موعدها، وحُسن تعامله مع الركاب. ويدّون أيضاً ملاحظاته على المحصل بالسيارة فى مدى أمانته فى تحصيل تعريفة الركوب «بالمناسبة: تعريفة .. كلمة إيطالية»، ومدى تعاونه مع الركاب. كل هذا يتم ولا أحد يدرى أن بالسيارة رئيس الشركة. ثم بعد فترة يغادر السيارة عند إحدى المحطات ليستقل سيارة أخرى. وفى نهاية اليوم يعود إلى مكتبه ويبدأ فى استدعاء السائقين والمحصلين المقصّرين فى عملهم ويوّقع عليهم الجزاءات، كما يستدعى السائقين والمحصلين المُجدين فى عملهم ويوزع عليهم المكافآت السخية. من هنا كانت أتوبيسات النقل العام فى عصر «أبو رجيلة» منتظمة فى عملها ومثالاً للإدارة الناجحة ولم تكن تخسر، وكانت ميزانيتها فى تزايد مستمر، والركاب يشيدون بخدماتها.المثال الآخر الذى شاهدته بعينى. حدث فى 10 مايو 1959 أن أنعم الله على المصريين بصفة عامة والأقباط بصفة خاصة براهب فقير وتقى هو الأب مينا البراموسى المتوحد الذى سيم أسقفاً على الإسكندرية ومن ثم حمل اسم البابا كيرلس السادس (1959 – 1971) البطريرك 116. حينما تولى إدارة الكنيسة كانت هناك العديد من المشاكل والتراخى بها بعد سلسلة من المخالفات الكنسية نتيجة إقامة مطارنة وأساقفة على إدارة الكنيسة منذ عام 1928. كان من بين تلك المشاكل، عدم انتظام كهنة الكنائس فى أداء الصلوات والخدمات الكنسية!! فماذا كان يفعل بكنائس الإسكندرية – خاصة وهو أسقفها – وأيضاً كنائس القاهرة العاصمة الإدارة؟ كان فى الصباح الباكر يستقل سيارته البسيطة مع سائقها عم عزمى وتلميذه، إلى أى كنيسة دون سابق إعلان ويتوجه للصلاة لمشاهدة مدى انتظام الخدمة. وفى المساء يكرر نفس الوسيلة مع كنيسة أخرى. كنا نشاهد باب الكنيسة يُفتح فجأة ويدخل منه البابا البطريرك لمتابعة الصلوات. ومن هنا التزم الجميع فى الخدمات والصلوات الكنسية. هكذا تكون الإدارة. خلاف ذلك فهو عبث.