رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرياضة فى الكنائس.. والأيام الجميلة


فى فترتى الخمسينيات والستينيات لم تكن هناك قيود على بناء الكنائس على الإطلاق. فكان يحدث عند شراء أرض لبناء كنيسة، كانت نصف المساحة المشتراة تُخصص لبناء الكنيسة والنصف الآخر للأنشطة الرياضية المختلفة، والتى فيها كان الشباب بمختلف الأعمار يمارسون الرياضة باهتمام بدلاً من جلوسهم على المقاهى ويبددون طاقاتهم فيما لا يفيد. وكانت الأنشطة الرياضية التى تُمارس: كرة السلة، كرة القدم، كرة اليد، التنس. ثم صالات لتنس الطاولة. كان الشباب يمارسون رياضتهم المفضلة بالزى المخصص للألعاب الرياضية دون حدوث أى مشاكل. كان هناك جدول يقوم بإعداده المشرفون على الأنشطة الرياضية يحددون فيها الوقت المخصص لكل رياضة.

كانت الكنائس فى فترة شهر أغسطس - حيث العطلة الصيفية – ينظمون دورات رياضية بين الكنائس، وعلى ملعب كل كنيسة كانت تقام دورة فى رياضة واحدة من الرياضات. وأذكر أنه فى شهر أغسطس – الذى يوافق أيضاً فترة صوم العذراء مريم – كان الشعب بعد أن يحضر الصلوات والعظات فى الكنيسة، والتى تنتهى فى حوالى الثامنة والنصف مساءً، يخرجون إلى ملاعب الكنيسة حيث تضاء الكشافات الكهربية والأرض مُعدة إعداداً جيداً ويجلسون على الكراسى المحيطة بأرض الملعب، وبعض الأحيان كان يحضر الآباء الكهنة «كانوا فى ذلك الوقت يتمتعون بأحاسيس روحية و وطنية و تربوية و أبوية» ويشاهدون مع شعبهم أداء فريق كنيستهم مع فريق من كنيسة أخرى. كان التشجيع يتصف بالاحترام والوقار والهدوء والأدب والحب. لم تكن هناك نعرة للتعصب بين الفرق الرياضية، الجميع يمارسون الرياضة بغرض الرياضة، كانت الروح الرياضية مثالية.

بمرور الوقت اتسع نطاق الأنشطة الرياضية، ففى الإسكندرية كانت كنيسة «سانت كاترين» بمنطقة المنشية وهى تابعة لطائفة «الروم الكاثوليك» ينظمون دورة رياضية فى كرة القدم، فكانت الكنائس القبطية الأرثوذكسية والكنائس الإنجيلية تشارك فى الدورة بفرق رياضية مختلفة. ولم يحدث أن ظهر أحد من رجال الدين ليمنع أبناء طائفته من المشاركة «بسبب طائفى!!» وكانت الدورة تنتهى بمزيد من الصداقة بين الشباب، لأنهم بعد ذلك يتقابلون فى المدرجات الدراسية بالجامعات أو فى وظائف مختلفة وهم أشد ترابطاً ومحبة. أقول أكثر من ذلك كانت هناك دورات رياضية بين الجمعيات المختلفة ومنها الشبان المسلمين، والشبان المسيحية... الخ، ولم يحدث فى يوم من الأيام أن حدث أى أحتكاك طائفى. بل كان الجميع أحباء متعاونين.

دخلنا فى فترة السبعينيات، فوجدنا بعض الكهنة من حديثى الرسامة «وخاليين من كل حس وطنى وتربوى وروحى أيضاً» يمنعون الشباب من ارتداء الزى الرياضى المخصص، وشاهدنا أيضاً لاعب كرة سلة مشهورًا بنادى الاتحاد السكندرى يبتدع ما يُسمى «الشورت الإسلامى» الذى يتجاوز الركبة!! وبدأ الكثيرون فى تقليده. وجدنا فرق كرة القدم بالملاعب المصرية يتجمعون فى حلقة قبل المباراة للصلاة والدعاء لتحقيق النصر!! فكنت أقول لأصدقائى أى مباراة ستنتهى بفائز ومهزوم، هل معنى ذلك أن الله استجاب لفريق ولم يستجب للآخر!! ثم التطور الأخير هو السجود على الأرض بعد إحراز كل هدف!! هذا الخلط فى الأمور أضاع طعم الرياضة، وقلل من قيمة الصلاة وأهميتها. إننا نترحم على الأيام الجميلة التى مضت ولن تعود، فنحن نعيش على ذكرى الماضى الجميل.