رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المتغـيرات الـدولية والإقليمية.. وتأثيرها على المنظور الأمريكى «19»


أوضحت فى المقالات السابقة مدى الحاجة الاستراتيجية الملحة للعالم العـربى لبناء استراتيجية عربية موحدة، حيث يبدو بدونها أنه مجمـوعة متناثرة من الدول والشعـوب تتخطفها مشروعات القوى العالمية والإقليمية، ويتطلب بناء هذه الاستراتيجية إعـداد دراسة دقيقة عن الموقف الاستراتيجى.

حتى يمكن استخلاص المحددات التى تعـيقها والمرتكزات التى يُمكن أن ترتكز عليها، وبدأت بالتقارب الأمريكى الإيرانى باعـتباره الأكثر تأثيراً فى المعادلة الاستراتيجية العـربية فى الوقت الراهن، وتناولت الارتباط الاستراتيجى بين الولايات المتحدة وإسرائيل كمحدد آخر، وانتهيت بطرح سؤالين الأول هو كيف نشأ هذا الارتباط وكيف أصبح ارتباطاً عـضوياً؟ وقمت بالإجابة عنة، وأجيب اليوم عن السؤال الثانى وهو مدى تأثيره فى بناء الاستراتيجية المقترحة؟

يشير الواقع إلى أنه ترتيباً على إدراك إسرائيل أنها تحمل فى كتلتها الحيوية ضعـفاً شديداً يتمثل فى ضيق مساحتها وصغـر عمقها بالنسبة لطول حدودها وضآلة حجم سكانها، فقد سعـت الولايات المتحدة إلى ضرورة أن يستند بقاء إسرائيل واستمرار وجودها فى قلب العالم العربى على اعـتبارات أمنية وعسكرية خالصة، وأن تنطلق هذه الضرورة من إحداث تفوق ساحق على كل دول محيطها العربى، وأن هذا التفوق لا بد وأن يقوم على أسـاس استراتيجى حربى، وأن تكون القوة المـسلحة المحور الذى تتمحور حوله باقى عناصر القوة الشاملة لإسرائيل، وبالتالى تظل القوة المسلحة هـى الأداة الرئيسيــة لصيـاغة علاقاتـها وتحديــد مسـارات تفاعـلاتـها وحـسـم وتسويـة النزاعات والصراعات فى المنطقة، ولذلك تعـمدت الولايات المتحدة أن تجعـل جميع المعـطيات الاستراتيجية التى ترتبط بعـلاقات توازن القوى بين إسرائيل والدول العربية بما يضمن أن يكون منحنى التفوق الإسرائيلى صاعداً باستمرار، إذ يمكن ملاحظة حجم الدعم الأمريكى الكبير لمستويات ونوعـيات التسليح ومدى فاعليته الذى يضمن تحقيق هذا التفوق العسكرى الواضح، حتى تبدو إسرائـيـل وكأنها قـفـزت إلى مصاف الدول الكبرى، ويؤدى إلى قناعة جميع دول النسق الإقليمى للشرق الأوسط بالـتـفـوق الإسرائيلى الشامل.

ويُشير الواقع أيضاً إلى أن هذا الارتباط الاستراتيجى قد تطور ليكون ارتباطاً عـضوياً وعاطـفياً حتى أصبح ضمان أمن إسرائيل ضمن ثوابت سياسة وأهداف واستراتيجية الولايات المتحدة فى المنطقة مهما تغـيرت الإدارات، إلى الحد الذى أصبح فيه مرشحو الرئاسة الأمريكية من الحزبين الديمقراطى والجمهورى يتنافسون لنيل رضا إسرائيل للفوز برئاسة أقوى دولة فى العالم، فقد شهدت حملتا أوباما مرشح الحزب الديمقراطى وميت رومنى مرشح الحزب الجمهورى تنافساً محموماً بينهما، حيث أعـلن أوباما وهو يستعـد للإعـداد لحملته الانتخابية للفترة الثانية أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية غـير قابلة للكسر unbreakable، وأعلن ميت رومنى عن قيامه بزيارة إسرائيل ليبدأ حملته الانتخابية منها، فقام أوباما بالتوقيع عـلى قانون تدعـيم القدرات العـسكرية الإسرائيلية قبل وصول رومنى إليها بعـدة ساعات، ويقضى هذا القانون بتزويد إسرائيل بمعـدات إلكترونية متقـدمة بتكلفة 450 مليون دولار، حتى تتمكن إسرائيل من التعامل مع الطائرات الأمريكية التى تعـمل دون طيار ذات مدى العـمـل الاستراتيجى الكبيـر، وتمكنها من التعامل أيضاً مع أحدث الطائرات الأمريكية والاعـتماد على نفسها فى إصلاح وصيانة وتوجيه أحدث طائرات القتال، وهو الأمر الذى يُزيد من قدرة وكفاءة القوات الجوية الإسرائيلية.

وللحفاظ على أن يكون منحنى التفوق العسكرى صاعـداً باستمرار لصالح إسرائيل، وضمان الحفاظ على تفوق إسرائيل فى جميع المعـطيات الاستراتيجية التى ترتبط بعـلاقات توازن القوى على الدول العربية مجتمعة، فإن هذا القانون يقـضى أيضاً بتوريـد عدد 19 طائرة إف 35 من أصل صفقة يبلغ عددها 75 طائرة وتبلغ قيمتها ٢٫٧ مليار دولار، والغريب أن هذه الطائرات لم تدخل الخدمة بعـد فى القوات الجوية الأمريكية (مخطط لدخولها الخدمة فى 2016/ 2017)، وبذلك تكون إسرائيل الدولة الوحيدة فى العالم التى تمتلك أحدث طراز من الطائرات الأمريكية بالتزامن مع الولايات المتحدة، حيث تمتلك هذه الطائرات قدرات هائلة عـند الإقلاع والهبوط، وعلى إجراء المناورة الواسعة أثناء الطيران، ويصعـب اكتشافها ومتابعـتها رادارياً، كما تتميز بمدى عـمل استراتيجى كبير، كما لعـبت الولايات المتحدة دوراً فاعلاً لإمداد إسرائيل بأربع غواصات ألمانية من طراز دولفين، وهى غـواصات ذات تقنيات فنية متقدمة وقدرات قتالية عالية قادرة على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية وتقدر ثمن الغـواصة الواحدة بـ 750 مليون يورو، والغريب أن ألمانيا قد سلمت أول غـواصتين دون مقابل مع تخفيض ثمن الأخريين 30%.

والسؤال الذى يفرض نفسه الآن هو لماذا يقوم الحزبان الرئيسيان فى الولايات المتحدة بالتودد إلى إسرائيل إلى هذا الحد؟.. هذا ما سأتناوله الأسبوع المقبل بإذن الله.