رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملكة مصرية من الزمن الجميل


لا أجد كلمات توفيها حقها.. لا أجد مشهداً بعينه يستطيع أن يظهر معدنها الأصيل.. يعجز لسانى عن وصف وطنيتها وأصالتها وعشقها لشعبها وأرضها.. هى باختصار شديد امرأة تتجاوز السبعين عاماً.. لم تنل التجاعيد التى طبعها الزمان على وجهها من حيويتها وفصاحتها رغم أميتها.. ترتدى جلباباً وقوراً.. شاهدتها وسمعتها تلقن أحفادها من الشباب والصبية، المتفقين منهم والمختلفين على حب مصر، دروساً فى الوطنية ونبذ الخلاف حفاظاً على وحدة صف المصريين.

... بهرتنى كلماتها وثقافتها وحسها الوطنى وصدقها فى الحديث.. صدقونى إذا قلت إن وعيها السياسى يفوق سياسيى ومثقفى وإعلاميى ونشطاء السبوبة «المقرفين» الذين ملأوا الفضائيات والصحف والمواقع الإلكترونية بتفاهاتهم وحقدهم وعمالتهم.من ضمن ما قالته هذه السيدة العظيمة ناصحة أمينة لركاب إحدى عربات مترو الخط الأول «المرج ــ حلوان» أن الله عز وجل وعد فى كتابه الحكيم بحفظ مصر حينما قال: «فلما دخلوا على يوسف أوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» «يوسف الآية ٩٩».. وأن الحبيب المصطفى ــ صلى الله عليه وسلم ــ أوصى صحابته بمصر وشعبها حينما قال «إذا فتح الله عز وجل عليكم مصر فاتخذوا بها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الله، فقال أبوبكر الصديق ــ رضى الله عنه وأرضاه ــ «لما يا رسول الله؟ فقال الحبيب محمد: لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة».. ولم تكتف الحاجة «مريم» وهذا هو اسمها، بذلك.. بل أشادت فى حديثها بما قاله البابا شنودة «مصر وطن يعيش فينا وليس وطناً نعيش فيه».أخذنى الفضول وسألتها: كيف تنظرين إلى ثورة ٣٠ يونيو والنتائج التى وصلنا إليها الآن؟.. نظرت إلىّ باستغراب واندفعت فى الإجابة كالصاروخ.. قالت: شوف يا بنى.. الشعب ثار على عصابة تاجرت بالدين والدنيا معاً.. الشعب رفض الكهنوت وصفع كهنة المعبد بالنعال وأزاحهم عن السلطة بعد عام أسود كشفوا فيه عن سوءاتهم.. الشعب اختار بعد ذلك النموذج الأفضل للرئاسة حتى يعبر بمصر بر الأمان ويحميها من مؤامرات الإنس فى الداخل والخارج.. الشعب الآن يا ولدى يكتب تاريخه الجديد بيده فى المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ.. هذه المفردات وقعت على قلبى قبل عقلى كالبلسم الشافى.. ثم سألتنى الحاجة مريم عن عملى؟ لم أجد مفراً أمام الركاب من أن أقول لها إننى صحفى وطنى يعشق تراب مصر مثلك تماماً.. هنا ابتسمت وقالت لى «أوصيك وغيرك من الإعلاميين بصدق الكلمة وأمانتها فى ظروف تعانى فيها مصر من العملاء والأفاقين والمرتزقة والخونة».. قلت لها «حاضر يا حاجة.. نصيحتك غالية وسأعمل بها بإذن الله تعالى».

وقبل أن تقترب المحطة التى أقصدها.. استأذنت الحاجة مريم فى الانصراف ودعوت الله لها بالصحة وطول العمر.. وردد جميع الركاب الذين شاهدوها وسمعوها معى خلفى هذا الدعاء.. ثم قبلت رأسها وانصرفت. هذا الموقف لم يفارق ذهنى منذ عشرة أيام تقريباً وحتى الآن ولا أدرى كيف قارنت وكثيرات من نساء الإخوان؟.. ووجدت نفسى أستحضر مشاهد العنف والإرهاب والتفجيرات والقتل الذى يمارسه أتباع البنا وقطب ومشهور وعاكف وبديع منذ نشأة الجماعة الإرهابية وحتى الآن.. لحظتها سألت نفسى: من الذى غرس فى رأس هذه السيدة العظيمة ــ غير المتعلمة ــ كل هذا الحب لمصر وشعبها.. ثم من الذى عبث بعقول المرأة الإخوانية وحولها إلى عدو مبين لوطنها؟.. بالطبع جميعنا يعرف الإجابة جيداً.طوال حديثها فى المترو كنت أنظر إليها وكأنها إحدى ملكات الأسر الفرعونية «كليوباترا» و«حتشبسوت» و«نفرتارى» و«نفرتيتى» ثم تذكرت أيضاً كيف استطعن أن يلدن بطلاً مثل أحمس الأول الذى قضى على الهكسوس وطهر منهم مصر «طيبة» إلى الأبد.. ثم ربطت بين هذا التاريخ وما نمر به اليوم.. وهناأدركت كلمات شاعرنا العظيم حافظ إبراهيم حينما قال: «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق.. الأم روض إن تعهده الحيا بالرى أورق أيما ايراق.. الأم أستاذ الأساتذة الألى شغلت مآثرهم مدى الآفاق».. حفظ الله مصر ونساءها الشريفات ــ الوطنيات ــ المخلصات