رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمعية التأسيسية.. ومذبحة «قضاء» جديدة فى الدستور الجديد


نناشد إدارة الجمعية بتصحيح مسارها والتعامل بحيادية والانتصار للحقوق والحريات وضمانات استقلال القضاء فى الدستور وتنفيذ أهداف ثورة يناير، وإلا وجب علينا مناهضة هذه الجمعية والانضمام إلى مطالب المنادين بحلها.

ما يثار على ساحة الجمعية التأسيسية للدستور هو ما أصابنا نحن المصريين جميعا باليأس والإحباط من تضارب وتخبط جمعية لا يحكمها سوى الهوى والمصالح الخاصة وتصفية حسابات شخصية فهى لا تعمل للمصلحة العامة ولا لمصلحة شعب مصر.. إن من مبادئ وضع الدساتير فى العالم هو أن يضع واضعو الدستور أمام نصب أعينهم تحقيق وتلبية حاجات الجماعة والمصلحة الوطنية والقومية والتجرد من أى ميول أو أهواء شخصية وتغليب الصالح العام على الصالح الخاص.

لكن ما استرعى انتباهنا وخوفنا الشديد على مستقبل هذا البلد أن يخرج علينا رئيس الجمعية التأسيسية للدستور بتصريحات نارية، وهو ما أثار قلقنا البالغ بقوله «ما نتفق عليه يوضع بالدستور وما نختلف عليه نتركه لأجيال قادمة» كيف يتم ذلك؟ تساءلنا جميعاً: هل هذه الجمعية تحكمها لائحة تنظم العمل بها؟ أم تعمل بعشوائية بالغة!.

هل هذا من مبادئ علم الإدارة التى يتعين أن تتوافر فى رئيس الجمعية للدستور؟ هل هذا دستور مصر الذى تتجه أنظار العالم إليه؟ إن ما ذكره رئيس الجمعية ما هو إلا تهرب وتنصلا من علاج المشكلات التى قامت عليها الثورة والتى ينتظر أبناء شعب مصر حلها وكان أملهم حلها فى هذا الدستور وليس تسكينها بمسكنات وقتية، وتساءلت عن أن ما صرح به رئيس الجمعية ومحاولة منه فى فرض رأيه على باقى أعضاء الجمعية أدركت أنه لم يعاصر مشكلات أبناء الوطن ولم يشعر بآلامه، بل لم تصل إليه ثورة يناير وما قدموه من تضحيات بدمائهم من أجل حصولهم على العدالة يستشعر بها المواطن البسيط من أبناء هذا الشعب العظيم.

وما استرعى انتباهى والمثير للدهشة عند مناقشة باب السلطة القضائية بلجنة نظام الحكم والتى انتصر فيها رئيسها الدكتور جمال جبريل لأبناء شعب مصر وللمصلحة العامة لاستشعاره ضرورة وجود عدالة ناجزة ولعلّ الطريقة التى أوجدتها لجنة نظام الحكم بالجمعية التأسيسية باستحداث آليات لمعالجة الخلل فى المنظومة القضائية بإدخال نظام إدارة الدعوى المدنيّة على نظام التقاضى فى مصر كانت بمثابة الحل السحرى الذى يسهم فى الحد من إرهاق ومعاناة المتقاضين، ويحقق هذا النظام السيطرة القضائية المبكرة والمستمرة والقصيرة بما يتحقق معه كفالة حق التقاضى، كما أن هذا الحل لا يخفف العبء القضائى فحسب، وإنما العبء المالى عن المتداعين، ويحقق عدالة ناجزة وسريعة وإحالة الدعوى المدنية والتجارية إلى قاضى الموضوع مستوفاة لجميع إجراءاتها على نحو لا يستغرق سوى جلسة واحدة أو جلسات قليلة للنطق بالحكم بعد وصولها إلى قاضى الموضوع بعد إزالة المعوقات الشكلية والكبيرة من أمام قاضى الموضوع مما يساعد على الإصلاح القضائى وتماشياً مع التطور المجتمعى، فضلاً عن الأخذ بها فى مصر بقانون إنشاء المحاكم الاقتصادية سنة 2008.

وقد ثبت نجاحه بالقضاء الإسلامى ونظم الدول المقارنة سواء فى الدول الأوروبية سواء فى فرنسا والنمسا وغيرهما، ومن الدول الأنجلوسكسونية سواء فى إنجلترا وأمريكا وغيرها وكذلك الدول العربية مثل لبنان والمغرب والإمارات وغيرها من الدول وثبت نجاحه نجاحاً باهراً وتحقيق عدالة سريعة للمواطن، فضلاً عن المناداة بها من القضاة أنفسهم، ولا شك أن ما أوجدته لجنة نظام الحكم بالاستفادة بمستشارى هيئة قضايا الدولة بتميزهم علميا على القيام بهذا الدور القومى المأمول بالعمل بهذه النيابة بذات مخصصاتهم المالية ومقراتهم، فضلاً عن كون هيئة قضايا الدولة منبعاً ومنارة علم للقضاء سواء من رجال القضاء أو مجلس الدولة.

وتم التصويت عليه بلجنة نظام الحكم بالموافقة وأحيل للجنة الصياغة إلا أن تدخل رئيس الجمعية بشكل شخصى ومعه بعض أصحاب المصالح الخاصة ليقف عائقاً أمام تمريره وتحقيق الصالح العام ما دام أنه يحقق المصلحة العامة ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل محاولته هو والبعض من مؤيديه من محاولة إقصاء هيئتى قضايا الدولة والنيابة الإدارية من النص عليهما بالدستور، مبتدعاً مذبحة قضاء جديدة قوامها 7000 مستشار من الهيئتين. وإن كان النظام السابق، كما يقول جماعة الإخوان المسلمين أضعف القضاء فإن الجمعية التأسيسية بزعامة رئيسها وبعض مؤيديه ستنسف القضاء، فضلاً عن تقليص دور المحكمة الدستورية العليا ونسفها بالنص عليها دون أن يكون لها ولاية الفصل فى الموضوع وبذلك يصبح اختصاصها ودورها مهمشاً، ولم يدرك واضعو النص أن سلطة المحكمة هيمنتها على الدعوى والتصدى لكل أركانها وإلا أصبحت «محكمة مقيدة» لا قيمة لها، وبذلك لن يجد شعب مصر من يدافع عن حقوقه ومحاربة الفاسدين.

لمصلحة من يا سادة يتم النص على الأجهزة الرقابية فى الدستور مع كامل احترامنا لهذه الأجهزة ولم يتم النص على هيئات قضائية مثل النيابة الإدارية التى تتلقى تقارير هذه الاجهزة لمعالجة الخلل فى الأداء الحكومى وتصبح بلا صلاحيات؟ لمصلحة من يا سادة يتم النص على المجلس القومى لحقوق الإنسان والذى يترأسه رئيس الجمعية التأسيسية للدستور ويتجاهل هيئات قضائية من النص عليها مثل هيئة قضايا الدولة التى تأسست ورسخت فى مصر والوطن العربى منذ أكثر من 140 عاماً؟ لمصلحة من لم ينل القضاء استقلاله بل اضمحلاله؟؟.

لذا نناشد إدارة الجمعية تصحيح مسارها والتعامل بحيادية والانتصار للحقوق والحريات وضمانات استقلال القضاء فى الدستور وتنفيذ أهداف ثورة يناير، وإلا وجب علينا مناهضة هذه الجمعية والانضمام إلى مطالب المنادين بحلها.

■ هيئة قضايا الدولة