رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الزراعة والتموين والانتخابات البرلمانية


عندما يستخسر وزير التموين القمح المصرى فى شعبه ويرى أنه شعب لا يستحق إلا قمح العلف وأقماح الدرجة الرابعة فينبغى أن يعلم أن غيرنا يحتفظ لشعبه بالأفضل ويصدر الأدنى وتكون الجنسية المصرية خسارة فى هذا الوزير.

الحقيقة الأكيدة أن 55% من الشعب المصرى يسكن فى الريف، وأن نسبة الفقر والجوع معاً تبلغ 31% وتصل فى الريف إلى 65%، وأن القطاع الزراعى يستوعب 33% من إجمالى قوة العمالة فى مصر بشكل مباشر، ويمثل المنبع ورأس مال 50% من الأنشطة الاقتصادية والصناعية والتجارية.

أولى الوزارات التى تتعامل مع أهل الريف هى وزارة الزراعة وبها وزير يتعالى على الفلاح، ويصدر قرارات فوقية ويستعين بطاقم من المستشارين تتراوح أعمارهم بين 72 إلى 82 عاماً!! لم يصبحوا قادرين على متابعة حديث العلم، بعد أن تغيرت الدنيا وظهر الوقود الحيوى والغذاء المحوَّر وراثياً والأغذية العضوية والتنمية المستدامة وتغير المناخ. هذا الأمر تمثل فى ظهور أحد مستشارى وزير الزراعة لتطوير الرى معنا فى برنامج تليفزيونى ليعلن أن كفاءة الرى بالغمر فى الحقول لا تزيد عن 40%!! وهو كلام عفا عليه الزمن. ففى الماضى أيها المستشار كانت المياه الزائدة فى الحقول تذهب إلى المصارف الزراعية ومنها إلى البحر المتوسط فتفقد كاملة.

أما الآن وللعام الأربعين على التوالى، فقد أصبحت مياه المصارف الزراعية تعود إلى الترع ومنها إلى الأرض وأصبح المزارع يروى منها مباشرة العديد من المحاصيل مثل الأرز وبنجر السكر والخضراوات والقمح وبالتالى ارتفعت كفاءة الرى بالغمر بسبب إعادة المياه المفقودة إلى الترع وإلى الأرض الزراعية مرة أخرى إلى 74% وهى نفس كفاءة الرى بالرش فى النظم الحديثة وأتحدى وزير الزراعة لو وفَّر مليار متر مكعب من مياه الرى وليس العشرة التى وعد بتوفيرها! ثم نأتى للتخطيط للزراعة المصرية وقد أصبح الأمر غائباً تماما وتفرغ الوزير ومستشاروه لمشروع المليون فدان ولم يلمسوا هموم الفلاحين ووافقوا على رفع أسعار الأسمدة فى توقيت غير مناسب، ورفعوا توصية برفع أسعار استلام محصول الأرز بعد شهرين من الحصاد وبيعه للتجار مثلما وافقوا مع وزير التموين على فتح باب تصدير الأرز إرضاء لرأى وزير التموين السابق فى الغرفة كـأكبر مصدر للأرز واختاروا التوقيت أيضاً بعد الحصاد بشهرين ليستفيد التجار دون الفلاح الذى كافح وزرع، فهكذا تسير الأمور حيث يجنى التجار المكسب دائما ويتحمل الفلاح الخسائر دائما!! التخطيط لعودة الزراعة كمهنة رابحة غائب وهو «عفواً» فوق مستوى طاقم الوزارة الحالى»، ومعها استدامة استخدامات المياه وسيظل الفلاح يسدد ثمن سوء اختيار وزير الزراعة منذ عام 2005 حين تولاها خريج سياسة واقتصاد!!

أستطيع أن أجزم أن فشل وزارة التموين مثل فشل وزارة الزراعة- مهما رضى المسئولون عنه- لأن تركيزه الأساسى فى نقل الدعم إلى التجار فى الأفران والبقالين التموينيين سحباً من فقراء الشعب، وهو ما خلق هذا الرضاء فوق العادى من جميع أصحاب المخابز والبقالة عن تصرفات الوزير الذى ضاعف دخولهم ضعفين وثلاثة!! ويكفى أن كل مخبز يضع فى جيبه ألفى جنيه كل صباح مكسباً حراماً قبل أن يشعل نار فرنه من الكارت الذهبى الخاص بالغرباء، مع حصة إضافية مقدارها خمسة أجولة لا يحاسب عليها، ثم تسعير الرغيف الصغير بخمسة وثلاثين قرشاً بينما سعره العادل خمسة وعشرون فقط ولذلك فسيزيد الدعم للخبز فى نهاية العام ويفضح تصرفات الوزير، أما الغلابة فقد نقص وزن رغيفهم بنسة 30% وأصبح 90 جراماً، كما اشتروا منه الرغيف الفائض بعشرة قروش فقط وليس 35 قرشاً مثل الفرن، ولو نسى الوزير سابق عمله كمستشار لرئيس الغرفة التجارية، ولو غادر جناح الفندق الفخم الذى يسدد التجار إيجاره، أو خلع قميص «باسم عودة» الذى يتقمصه فى التنطيط على عربات البوتاجازًً لتغير قبوله كثيراً لدى الشعب، شريطة أن يتخلى عن مشروعاته الوهمية والخداع المتمثل فى «كيلو اللحم أبو جنيه والفرخة أم خمسة وسبعين قرشاً» وعليه أن يعترف بأن مشروع بورصة الغلال وهمى وكارثى وبلا دراسة، وليس له مثيل فى العالم ولا يتبع قوانين البورصات ولا التجارة العالمية، أما اختياره لشباب فى سن 26 سنة من الأصدقاء ليكونوا مساعدين للوزير دون سابق خبرة فهذه مهزلة!! هل يبدأ الشاب عمله بوظيفة مساعد وزير؟ وهل يمكن لملازم شرطة أو جيش أن يكون مساعداً للوزير ومخططاً استراتيجياً؟! فالأصل هى الخبرة والمهنية.

عندما يستخسر وزير التموين القمح المصرى فى شعبه ويرى أنه شعب لا يستحق إلا قمح العلف وأقماح الدرجة الرابعة فينبغى أن يعلم أن غيرنا يحتفظ لشعبه بالأفضل ويصدر الأدنى وتكون الجنسية المصرية خسارة فى هذا الوزير، ولو كان صاحب خبرة، وليس مدعياً لاستخدم القمح المصرى فى تصنيع المكرونة الفاخرة وصدرناها للعالم لكونها مصنوعة من أقماح مصرية، أما رغيف «مرضى الحساسية» فهو عمل القطاع الخاص وليس للدولة.

أستاذ بكلية الزراعة - جامعة القاهرة