رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجيلى الوظيفى فى مصر «4»


جاء رجل أجيرا إلى الأمام الشافعى يشكو له ضيق حاله، لأن الخمسة دراهم لا تكفيه. فما كان من «الإمام الشافعى» إلا أن أمره أن يذهب إلى صاحب العمل ويطالبه بتخفيض أجره إلى 4 دراهم. فامتثل الرجل لأمر «الشافعى» رغم أنه لم يفهم نيته وهدفه. بعد فترة، عاد الرجل إلى «الشافعى» وقال له: لم يتحسن وضعى ومازالت المشكلة قائمة. فأمره «الشافعى» بالعودة إلى صاحب العمل ليخفض أجره إلى 3 دراهم. ذهب الرجل ونفذ ما طلب منه «الإمام الشافعى» مندهشًا، بعد فترة عاد الرجل إلى «الشافعى» وشكره على نصيحته وأخبره أن الثلاثة دراهم أصبحت تغطى كل حوائجه وتفيض بعدها وسأله عن تفسير ذلك فأخبره « الإمام الشافعى» :«أنه كان من البداية يعمل عملا لا يستحق عليه إلا 3 دراهم وبالتالى الدرهمان لم يكونا من حقه.. فنزعت البركة عن بقية ماله عندما اختلطا به، وأنشد: جمع الحرام على الحلال ليكثره.. الحرام على الحلال فبعثره.

والسؤال الآن.. من يستحق أجره فى مصر، من أصغر درجة إلى أعلى المناصب الرفيعة.. من موظفى القطاع الخاص.. القطاع العام.. الوزارات.. الهيئات.. المصانع.. المستشفيات.. البنوك.. المدارس.. الجامعات.. مأموريات الضرائب.. المحاكم.. جميع مرافق الدولة.

هل هناك موظف.. مسئول.. وزير فى مصر، سأل نفسه فى مواجهة مع النفس « هل أستحق مرتبى؟ هل أستحق امتيازات الوظيفة؟ هل أعطى على قدر ما أخذ ؟ هل أعمل على قضاء مصالح المواطنين أم «أتفنن» فى البحث عن طرق لابتزازهم لرشوتى ؟ هل أعمل بتخصصى وخبرتى أم بفهلوتى؟ هل أتدرج وأعلو فى المناصب لعلاقاتى أم لكفاءتى؟، هل أنا محبوب أم مكروه وملاحق بسمعة سيئة؟، هل أطبق مقولة «كونفيشيوس» لست أبالى مطلقًا إذا لم أشغل منصبا كبيرًا، وإنما الذى يعنينى هو أن أجعل نفسى جديرًا بذلك المنصب الكبير»؟.

مناصب مرموقة.. مكافآت وامتيازات.. ألقاب رنانة.. أفكار بالية.. بيروقراطية ملونة، هلامية ، منتشرة فى جميع الوزارات.. انعدام الرؤية.. كثير من الخطط.. قليل من الإنجازات.. قليل من الخبرة.. كثير من الفساد بألوانه الملونة الجذابة.. كثير من الرشاوى.. قليل من التخصص.. كثير من الروتين.. كثير من الوسائط.. واسطة للتعيين، واسطة لاستمرار الصعود.. الترقية وارتباطها بالمعارف.. قليل من يعمل بتخصصه، بخبرته فى مجاله.. وكثير من يعمل فى جميع المجالات بالفهلوة.. «الفهلوة والكوسة» هما شعار الوظيفة فى مصر..

هذا هو كوكتيل العمل الوظيفى فى مصر.. هذه هى أعراض الجيلى الوظيفى.. ملايين الموظفين فى الحكومة يعملون من أجل أمان وضمان العمل الحكومى.. برتابة بلا روح.. بلا مجهود.. بانعدام الحماس.. بلا تطوير.. وروتين.

إذا وجدت موظفًا كفئًا.. ذا رؤية.. خبير.. متخصص فى مجاله.. شريف.. مبتكر.. متطور.. فابعث لى باسمه لأشكره وأحييه لأنه قاوم «حالة الجيلى» الذى يعبرعن حالة الاهتزاز.. الهلامية.. الفساد.. التى تحيطنا