رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سمير جريس يجيب: هل يهدد الذكاء الاصطناعي الخيال البشري في الترجمة الأدبية؟

الكاتب والمُترجم
الكاتب والمُترجم سمير جريس

ناقش الكاتب والمُترجم سمير جريس، إشكالية الكتابة والترجمة الأدبية مع صعود برامج الترجمة الآلية، في ظل تقدم الذكاء الاصطناعي، في الدورة السابعة للمؤتمر الدولي للغة والثقافة العربية الذي أقيم في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا، هذا الأسبوع، تحت عنوان: اللغة والذكاء الاصطناعي.. قيدٌ للماضي أم أفقٌ للمستقبل؟

وتواصلت "الدستور" مع الكاتب الكبير، وهو أحد أبرز مترجمي اللغة الألمانية في العالم العربي، حول الكلمة التي ألقاها في الجامعة الكاثوليكية بميلانو، وسؤاله: هل حقًا أصبح الذكاء الاصطناعي يهد الخيال البشري في الترجمة الأدبية؟

هل يهدد الذكاء الاصطناعي الخيال البشري في الترجمة الأدبية؟

قال سمير جريس: أصبحت أفضال الذكاء الاصطناعي علينا وفيرة، وهي تزداد يوما بعد يوم، فكثيرهي المواقف التي يستعين فيها المرء بخدمات السيد "جوجل ترانسليت" ليفهم عبارة وردت في نص بلغة أجنبية لا يجيدها المرء، أو للتواصل مع سائح أو غريب لا يتقن لغة البلاد، حتى في مجال المراسلات، فأصبح من السهل الحصول على مسودة معقولة بلغة أجنبية لا يجيدها المرء، على أن يراجع المرء هذه المسودة مع مَن يتقن اللغة. 

وأضاف: لا بد من الاعتراف بأن الترجمة الآلية حققت تقدما كبيرا في السنوات الماضية، وكلما كان التقارب بين اللغتين كبيرا، كانت النتيجة أفضل.

المؤتمر الدولي للغة والثقافة العربية الذي أقيم في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو بإيطاليا

وأشار جريس، خلال الكلمة التي ألقاها بالجامعة الكاثوليكة، إلى أنه أظهرت دراسة حديثة شاركت فيها أقسام الترجمة بكل الوزارات الألمانية أن الترجمة الآلية ممكنة، بل تكون جيدة بين لغات معينة، على أن يتم تحرير النص المُترجم قبل استخدامه، فالترجمة الآلية من الألمانية إلى الإنجليزية، أو العكس، أنتجت نصوصا جيدة إلى حد كبير، وكذلك الترجمة من الألمانية إلى الفرنسية والعكس.

وأوضح جريس: غير أن هناك لغات لا تصلح فيها الترجمة الآلية إلا لفهم المحتوى العام للنصوص، لكنها لا تقدم ترجمة يعتمد عليها، وضربت الدراسة مثلا على ذلك بالنصوص المترجمة آليا من الألمانية إلى الروسية والعكس، وكذلك من الألمانية إلى البولندية.

وماذا عن الترجمة من الألمانية إلى العربية والعكس؟

لفت سمير جريس إلى أن الدراسة أثبتت أن الترجمة الآلية من  اللغة العربية إلى الألمانية والعكس تنتج نصوصا "غير مفهومة" ولا يمكن الاعتماد عليها، حتى لمجرد فهم محتواها.

وأكمل جريس حديثه: تشير الدراسة إلى أن جودة الترجمة تختلف اختلافا طفيفا أو كبيرا بحسب جودة البرنامج المستخدم، وبحسب طبيعة النص، ولكن الدراسة توصلت عموما إلى أنه: لا يوجد نص واحد يخلو تماما من أخطاء جسيمة، ومنها أخطاء تقلب المعنى، أو تشوهه، أو تغيره تغييرا طفيفا، أو كبيرا.

وأنه قد اتسمت الترجمة الآلية عموما بعيوب هي: الحذف، والإضافة، والترجمة الخاطئة، وكمثال على ذلك تورد الدراسة مثالا طريفا، إذ ترجم أحد البرامج الآلية لائحة قانونية خاصة بموضوع النفقة الزوجية إلى "قانون الأمان النووي"!

هل يمكن لـ جوجل تقديم ترجمة أدبية جيدة؟

قال  المُترجم سمير جريس: لقد طالعت في الفترة الأخيرة نصوصا مترجمة إلى العربية كان واضحا لأي عين خبيرة أنها مترجمة –أساسا- ترجمة إليكترونية، وفي بعض الأحيان لم يكلف المترجم أو المحرر نفسه عناء مراجعة النص أو تصحيحه، أو إزالة مواضع اللبس فيه، أو إعادة صياغة عبارات لا تعطي معنى بالعربية.

ما حدود الترجمة الآلية؟

وقدم جريس تجارب عملية للكشف عن عيوب الترجمة الآلية، مستعينًا ببرنامج "جوجل ترانسليت" لترجمة مقاطع كام قد ترجمها بالفعل من قبل، فيستشهد الكاتب بتجاربه قائلًا:

بدأت بمقطع من رواية "عازفة البيانو" للكاتبة النمساوية إلفريده يلينك التي حازت جائزة نوبل للأدب عام 2004، وتتسم نصوص يلينك بالاعتماد الكبير على السخرية والتلاعب اللفظي؛ وكما نعلم، فمن الصعب جدا ترجمة كلا الأمرين ترجمة "بشرية"، فما بالنا بالترجمة الآلية؟ أعمال يلينك مليئة أيضا بالإحالات الثقافية والتاريخية التي تقف أمامها الترجمة الآلية عاجزة كل العجز.

في الصفحات الأولى من الرواية نقرأ جملة طويلة نسبيا، يترجمها جوجل على النحو التالي:

"في الليل، عندما يكون الجميع نائمين ولا تستيقظ إلا إريكا بمفردها، بينما الجزء الموثوق به من هذين الزوجين المقيدين معًا بأوثقال (؟؟؟ - بأثقال) جسدية، تحلم الأم بسلام سماوي بأساليب تعذيب جديدة، أحيانًا، نادرًا جدًا، تفتح باب الصندوق وتغادر. يضرب الشهود على رغباتها السرية."

كما نرى، الجملة كلها ركيكة، وآخر جزء من الجملة غير مفهوم تماما: "يضرب الشهود على رغباتها السرية".

هذه الجملة ترجمها سمير جريس كالتالي:

"في الليل، عندما ينام الجميع ولا يبقى ساهرا سوى إريكا وحدِها، تغط في نومها السيدة ماما - هذا الطرف الأليف من الثنائي المشدود أحده إلى الآخر بالرابطة الجسدية الوثيقة – وتحلم، في هدوء سماوي، بطرق تعذيب جديدة. عندئذ تقوم إريكا أحيانا، بل نادرا جدا، بفتح باب الخزانة، وتداعب شهود أمانيها السرية." (والمقصود بالشهود هنا: الفساتين التي اشترتها بعيدا عن عين الأم.)

وهنا أوضح سمير جريس، أنه بالإضافة إلى ركاكة الترجمة الآلية، تضيع الإشارة إلى إحالة مهمة في النص، يلينك تحيل في هذه الجملة إلى ترنيمة مشهورة تُرتل في ليلة عيد الميلاد في المنطقة الألمانية، تقول الترنيمة إن الجميع كان نائما عند مولد المسيح، ولم يكن ساهرا إلا مريم ويوسف النجار، أما الطفل يسوع فكان ينام وادعا في "هدوء سماوي".

أي قارئ بالألمانية سيفكر في الترنيمة، وفي جملة يلينك المتهكمة، وسيبتسم لهذه الصورة البلاغية التي قلبت الأجواء المقدسة في الترنيمة لتسخر من حياة البطلة.

واختتم جريس قائلا،: كل هذه الإحالات تضيع في الترجمة الآلية، ولا بد من مترجم بشري يشير إليها، فمع كل التقدم، تظل للترجمة الآلية حدودٌ لن تستطيع تخطيها، على الأقل في المنظور القريب، مشيرًا إلى أنه بالنسبة لبعض اللغات، تظل الترجمة الأدبية عصية على الترجمة الآلية، وتزداد الترجمة الآلية صعوبة، كلما كان النص غنيا بالاستعارات أو الصور البلاغية، أو كان يستخدم عبارات من العامية، أوما يسمى بالعبارات الاصطلاحية.