رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عاجل.. سر «الحشاشين».. كيف صنع كريم عبدالعزيز وبيتر ميمى هذه التحفة الفنية؟

أستطيع أن أقول هذا العام بعد مرور نحو أسبوعين على بدء الشهر الكريم وبمنتهى الوضوح إن وجبة رمضان الدرامية هذا العام هى وجبة دسمة وثرية ومتنوعة، وأيضًا فيها نقلة نوعية فى كل عناصر الدراما، وذلك نتيجة جهد وخطة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية تهدف لإرضاء كل الأذواق.

وأبدأ أولًا بمسلسل «الحشاشين» نظرًا للرسالة التى يحتويها ولكونه مسلسلًا تاريخيًا وكنا نطالب بعودة المسلسلات التاريخية بشكل ملح منذ سنوات.

فبعد أسبوعين من المشاهدة أستطيع القول إنه على مستوى ممتاز إنتاجيًا ومستوى عالٍ من الناحية الفنية، من حيث التمثيل والإخراج والإضاءة والملابس وأماكن التصوير والإضاءة والموسيقى، وفى رأيى أن هذا المسلسل يضع الفنان كريم عبدالعزيز فى مكانة خاصة بمفرده، بحيث يصعب أن نقارنه بأى دور آخر له، أو بأى بطل فى مسلسل آخر خلال الشهر الكريم.

لأن كريم يتعرض لشخصية فى التاريخ فى حقبة زمنية محددة فى القرن الـ١١ الميلادى، واستطاع كريم عبدالعزيز أن يتعايش مع الدور إلى حد التوحد معه، ويتميز كريم بأن أداءه من نوعية السهل الممتنع، ويؤدى دور الشر بشكل طبيعى دون تشنج أو عصبية أو صوت عالٍ، ويصل مع اللقطة إلى حد كراهيته والاستياء من شدة العنف الذى يقوم به والإفراط فيه، وهو يفكر بخططه الشيطانية بذكاء مستخدمًا الدين الإسلامى لتحقيق أطماعه فى السلطة والسيطرة والنفوذ السياسى.

ويستلهم المسلسل الأحداث الأساسية من أحداث تاريخية وقعت بالفعل، كما يجسد أشخاصًا عاشوا بالفعل فى تلك الحقبة الزمنية، ومن المعروف أنه فى العمل الدرامى يمكن للمؤلف أن يضيف بعضًا من خياله باعتباره يقدم عملًا فنيًا وليس تسجيليًا، ومن هذا المنطلق فإننا نرى كرامات مذهلة لحسن الصباح، فى سياق الحلقات.

كما رأينا فى مشهد الصباح داخل السجن حينما حفّز حارس سجنه لإطلاق سراحه ما دفعه لإخراجه حرًا طليقًا، ومنها معرفة أن ابن الراعى مريض قبل أن يخبره بذلك، بل وتمكن من أن يشفى الطفل تمامًا من الحمى بلمسة من يده وبذكر بعض كلمات رددها بلسانه، هذه الكرامات غريبة تجعلنا نتعجب ونقف مشدوهين أمامها لنتساءل: هل هى حقيقة أم خيال؟

ونتساءل: هل بالفعل حسن الصباح كانت لديه كرامات استثنائية وقدرات خاصة، أم هى ضرورة استخدمها المؤلف لجذب المشاهد؟. أما بالنسبة للقصة فإن الكاتب عبدالرحيم كمال هو مؤلف قدير له أعمال ناجحة من قبل تنقلنا إلى عوالم أخرى بكل مفرداتها وملابساتها، ومن الواضح أنه بذل جهدًا بحثيًا كبيرًا وواضحًا وجهدًا ذهنيًا شاقًا بوضع إضافات يقتضيها العمل الفنى ليتصدر المنافسة الدرامية فى الشهر الكريم.

كما أنه يقدم لنا الحوار باللغة العربية السهلة التى يفهمها الجميع، والتى يمكن أن تجعلنا نتابع دون أن نقارن بين اللغة العربية حينذاك والحديث باللغة العامية المستخدمة الآن، وبشكل عام استطاع عبدالرحيم كمال أن ينقلنا بسلاسة لأجواء القرن الحادى عشر الميلادى فى زمن التطرف، من خلال طائفة متطرفة تستخدم الدين لتقوم بإرضاء أطماع مولانا أو الأمير أو الرجل المتسلط عليهم بالكرامات وبالآيات القرآنية، إلا أنه فى الحقيقة لديه مشروع طموح سياسى ورغبة جامحة، حيث يطمح فى السيطرة على الدولة من خلال العنف والجريمة والانتقام من كل من لا يستجيب له.

أما الإخراج فإن بيتر ميمى يقوم هذا العام بإخراج بديع لمسلسل تاريخى يأخذنا لمعرفة تفاصيل تحركاته وخططه وأهدافه، وأستطيع أن أؤكد أننا أمام مستوى إخراج فنى متميز يرتفع عن المحلية ليضاهى وينافس المستوى العالمى، بدءًا من اختيار أماكن التصوير وتحريك المجاميع وتحريك الأبطال، كما استطاع أن ينقلنا من العنف إلى الكرامات بكل هدوء، وكيف يتنقل بين أماكن التصوير. هو مايسترو العمل الفنى القدير الذى استطاع أن يقدم لنا تحفة فنية فى منطقة جديدة بعد أن شاهدنا له من قبل أعمالًا متميزة، مثل «الاختيار»، مع أمير كرارة، إلا أنه يعود هذا العام مع كريم عبدالعزيز فى ثوب آخر، حيث ينتقل من دراما الأكشن الصريح لتفاصيل ومعارك وأكشن محبوكة من عمق التاريخ.

أما بالنسبة للتصوير فإننا هنا أمام كادرات فنية خلابة، فى أماكن مفتوحة، حيث نرى الخيل والمناظر الطبيعية الرائعة، واختيار أماكن خلابة، بينما ينقلنا ليلًا إلى عنف وجرائم عنيفة يرتكبها الحشاشون بأوامر من زعيمهم الصباح.

ويؤدى فتحى عبدالوهاب دوره ببراعة، حيث يجسد الوزير نظام الملك باقتدار، والذى يطيع الخليفة، لكن يتم خداعه من صديقه حسن الصباح، وتؤدى ميرنا نورالدين دور «دنيا زاد» زوجة حسن الصباح، واللذان يتبادلان الحب، إلا أن دنيا زاد لا تكف عن محاولة تبصير حسن الصباح بتبعات جرائمه لكن دون فائدة.

واستطاعت ميرنا أن تقدم دور الزوجة المتفانية باقتدار، وهى تحاول أن تعارضه لدى قسوته مع ابنهما، لكن دون طائل، فهو متشدد فى آرائه، ومقتنع بأنه على حق وبأن ذكاءه فوق مستوى البشر، ويصر على عقاب ابنه بشكل عنيف.

ويقوم الفنان أحمد عيد بتغيير جلده، فيقدم دور «زيد بن سيحون» أحد مساعدى حسن الصباح، وهو يقدمه ببراعة ملحوظة ما يؤهله لأدوار جادة مختلفة عن النوع الكوميدى الذى تخصص فيه. ويقدم دور الشاعر «عمر الخيام» الفنان نيقولا معوض، وهو الشاعر الخالد المعروف الذى لا يطمح لسلطة أو نفوذ أو سياسة، ما يجعله عاشقًا للشعر ولا يميل للسياسة، ويتمكن من خلال أشعاره أن يكون أحد أهم الشعراء فى التاريخ.

وبالنسبة للتصوير فإن مدير التصوير حسين عسر يقدم لنا لوحات فنية بديعة تجعل الصورة ممتعة وجميلة، والمصور يلعب بالإضاءة بالشكل الذى يجعلها تتناسب مع المكان والزمان، أما الموسيقى التصويرية فإن الموسيقار أمين أبوحافة قد جعلها عنصرًا مميزًا يضيف لنجاح الحشاشين، وهى تنتقل بنا حسب أحوال الدراما.

ويقول لنا التاريخ إن كلمة «الحشاشين» مستمدة من كلمة «القتلة» بالفرنسية، وهم طائفة شيعية إسماعيلية نزارية باطنية انفصلت عن العبيديين الفاطميين فى القرن الحادى عشر الميلادى لتنضم إلى نزار المصطفى لدين الله، وكانت معاقلهم فى بلاد فارس وبلاد الشام.

وأسس حسن الصباح طائفة الحشاشين، واتخذ من قلعة «آلموت» فى فارس مقرًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته، وكانت طائفة الحشاشين على عداء مع الدولة الفاطمية والدولة العباسية والدولة السلجوقية، وجاءت نهاية طائفة الحشاشين على يد المغول من خلال قائدهم هولاكو، حيث انتهت دولة الحشاشين فى ١٢٦٥م.

إن أهمية المسلسل فى تقديرى تعود إلى أنه يقدم التاريخ ليكشف لنا الحاضر، فهو يقدم تفاصيل تاريخ طائفة الحشاشين الشيعية الإسماعيلية وسياستها فى الاتجار بالدين الإسلامى للوصول للسلطة والنفوذ، وارتكاب جرائم وسرقات وعنف لتحقيق مشروعها السياسى، وكانت طائفة باطنية نزارية تتخفى وراء ستار الدين لتحقيق أطماع السيطرة لدى مؤسس الطائفة حسن الصباح، الذى يطلق عليه مولانا أو السيد، وحسن الصباح يعود مرة أخرى فى التاريخ من خلال حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين المتطرفة والمتشددة فى سنة ١٩٢٨، وهى منظمة متطرفة استخدمت الدين الإسلامى لتحقيق أطماع مؤسسها وأتباعه فى السلطة والوصول للحكم، وسياستها دائمًا هى العنف والقتل والاغتيالات تمامًا مثل طائفة الحشاشين التى أسسها حسن الصباح من قبل.

ويذكرنا المسلسل ويبصرنا لنفكر ونفهم بأن التطرف الدينى كان دائمًا موجودًا فى التاريخ لتحقيق مآرب سياسية، وليس لنشر الدين الإسلامى، فالدين الإسلامى هو دائمًا وسيظل دين الرحمة والسلام والمحبة، ورسالة الدين الإسلامى السمح هى السلام.