رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تلوموه!

لا لوم على الرئيس الأمريكى جو بايدن، حين يخلط بين الأزمنة والأماكن والأحداث، لكن يستحق اللوم، والعتاب، والشك فى نياتهم، أو التشكيك فى قدراتهم العقلية، كل مَن تعاملوا بأى قدر من الجدية مع «تخريفة» أدلى بها، أمس الأول الخميس، بعد ساعات من ظهور تقرير رسمى يؤكد فيه روبرت هور، المستشار الخاص لوزارة العدل الأمريكية، أن «بايدن» غير لائق عقليًا، لمحاكمته بتهمة سوء التعامل مع وثائق سرية تم العثور عليها فى منزله بولاية ديلاوير، وفى مكتبه بـ«مركز بن بايدن» فى واشنطن العاصمة.

أكبر الرؤساء سنًا فى تاريخ الولايات المتحدة لم يعد يتذكر متى مات ابنه، أو متى كان نائبًا للرئيس، وجعلته زلات لسانه، تخاريفه، وأخطاؤه العلنية، المتكررة، هدفًا سهلًا للانتقادات اللاذعة، ليس فقط من الرئيس السابق ومنافسه الحالى دونالد ترامب، وأعضاء الحزب الجمهورى، ولكن أيضًا من رؤساء دول وحكومات عديدة، وأعضاء بارزين فى حزبه، الحزب الديمقراطى. ومنذ أيام أظهرت نتائج استطلاعى رأى، أجرت أحدهما منظمة «راسموسن ريبورتس»، Rasmussen Reports، والآخر لشبكة «إن بى سى نيوز»، أن أكثر من ثلثى الأمريكيين يرون أن القدرات العقلية والجسدية لرئيسهم، الذى بلغ الحادية والثمانين فى نوفمبر الماضى، تتراجع بشكل متزايد، ولا تؤهله للقيام بالمهام الرئاسية.

أنهى الرئيس الأمريكى أحد خطاباته بعبارة «حفظ الله الملكة»، التى كان المسئولون البريطانيون يختتمون بها خطاباتهم قبل رحيل الملكة إليزابيث، وأكد أن الرئيس الروسى «يخسر الحرب فى العراق»، وفى خطاب أمام البرلمان الكندى، وجّه الشكر لـ«الصين»، وقال فى يونيو ٢٠٢١، إنه تحدث مع الرئيس الفرنسى فرانسوا ميتران، الذى رحل سنة ١٩٩٦، ومع مستشار ألمانيا هيلموت كول، الذى رحل فى ٢٠١٧، خلال قمة مجموعة السبع، ووصف الهند، أكبر دول العالم سكانًا، بأنها «دولة صغيرة»، وأشاد بمنجزات رئيس وزرائها «ناريندرا مودى» فى «الصين»، و... و... وتضيق مساحة المقال، والصفحة كلها، عن حصر الزلات، الأخطاء، أو التخاريف، التى تشير بوضوح إلى أن الرجل، الذى يوصف بـ«جو النائم»، Sleepy Joe، يعانى تدهورًا عقليًا يجعله يشرد إلى زمن آخر، أو مكان آخر، أو كليهما.

المهم هو أن الإسرائيليين، الذين أسسوا كيانهم الغاصب على الأكاذيب، ووصلوا إلى مستوى متقدم جدًا من الكذب الصريح، أو المفضوح، استغلوا التدهور العقلى للرئيس الأمريكى، وجعلوه الداعم الأكبر لكل جرائمهم ضد الفلسطينيين، منذ توليه الحكم، وصولًا إلى الإبادة الجماعية، التى يرتكبونها الآن. ومنذ ٧ أكتوبر الماضى، بصقوا فى عقله، وعلى لسانه، أكاذيب عديدة، أكد «البيت الأبيض» نفسه عدم صحتها، بدأت باتهامه المقاومة الفلسطينية بـ«قطع رءوس الأطفال»، وارتكاب «عنف جنسى واغتصاب» و«استخدام مستشفى الشفاء مركزًا للقيادة والسيطرة»، لتبرير قصفه، و... و... وكانت الكذبة، أو «التخريفة»، الأحدث، هى تلك التى زعم فيها أن «رئيس المكسيك»، عبدالفتاح السيسى، لم يكن يريد، فى البداية، فتح معبر رفح لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، لكنه تحدث معه وأقنعه بفتح المعبر!

هذه الكذبة، أو «التخريفة»، كما أوضحنا فى مقالين سابقين، نفاها رؤساء دول وحكومات ووزراء خارجية ومسئولون دوليون، من بينهم الأمين العام للأمم المتحدة. كما نفتها، أيضًا، وفود عديدة من دول العالم المختلفة، وأعضاء فى الكونجرس الأمريكى، زاروا الجانب المصرى من معبر رفح، منذ ٧ أكتوبر الماضى. إضافة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، وكل المسئولين الإسرائيليين تقريبًا، كانوا قد أكدوا عشرات المرات، فى تصريحات علنية وبيانات رسمية، أنهم لن يسمحوا بإدخال أى مساعدات.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الخَرَف فى «لسان العرب»، بفتح الخاء والراء، هو فساد العقل بسبب الكِبَر أو الشيخوخة، ويُقال خَرِف الرجل، إذا فقد ترابط فكره أو تعبيره وأتى بكلام ينكره العقل. وفى كتابه «السياسى الأخير: داخل البيت الأبيض فى عهد جو بايدن»، الذى صدر فى سبتمبر الماضى، أكد فرانكلين فوير، Franklin Foer، أن تصرفات الرئيس الأمريكى، منذ توليه الحكم، عكست «تراجع قدراته العقلية بمرور الوقت»، وأوضح أن هذه القدرات لا يمكن لأى نظام علاجى أو غذائى أن يقاوم تراجعها.