رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمة الإيطالية الإفريقية

بإطلاق «خطة ماتى»، وتعهد إيطاليا بأن تجعل تنمية إفريقيا موضوعًا رئيسيًا على جدول أعمال رئاستها، خلال السنة الجارية، لمجموعة الدول الصناعية السبع- انتهت «القمة الإيطالية الإفريقية»، التى استضافها قصر ماداما، مقر مجلس الشيوخ الإيطالى، وشارك فيها ٢٣ رئيس دولة وحكومة إفريقية و٣٣ وفدًا إفريقيًا، و٢٣ ممثلًا عن مؤسسات الاتحاد الأوروبى والمنظمات الدولية والجهات المانحة.

الخطة الإيطالية لتنمية إفريقيا، تحمل اسم إنريكو ماتى «Enrico Mattei»، مؤسس شركة الطاقة العملاقة «إينى»، الذى وقف معنا، فى خمسينيات القرن الماضى، ضد البريطانيين، ومع الأشقاء فى الجزائر ضد الفرنسيين، وكان داعمًا للدول النامية، إجمالًا، فى مواجهة شركات النفط الاحتكارية، وتم اغتياله سنة ١٩٦٢، وتفرق دمه بين فرنسا، التى لم تغفر له مساعداته لجبهة التحرير الجزائرية، والمافيا الإيطالية، التى كانت أنشطته ومشروعاته فى صقلية تقف ضد مصالحها، ثم شركات النفط الأنجلوأمريكية الكبرى، التى أطلق عليها اسم «الشقيقات السبع»، والتى استطاع أن يقتطع جزءًا من أرباحها المذهلة.

تستهدف «خطة ماتى» التى أقرها البرلمان الإيطالى، فى ١٠ يناير الماضى، ضخ ٥.٥ مليار يورو، حوالى ٦ مليارات دولار، بشكل مبدئى، لمعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية فى الدول الإفريقية، وإقامة استثمارات وعقد شراكات فى قطاع الطاقة، وتعزيز العلاقات بين إيطاليا وإفريقيا، وبين الاتحاد الأوروبى ودول القارة السمراء. والإشارة هنا، قد تكون مهمة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى كان قد تلقى، مساء الجمعة الماضى، اتصالًا تليفونيًا من جورجيا ميلونى، رئيسة الوزراء الإيطالية، تناول العلاقات التاريخية، التى تربط الدولتين والشعبين الصديقين، وأبدى خلاله الجنبان ترحيبهما بالزخم الكبير، الذى تشهده، حاليًا، فى كل المجالات، وبحثا سبل دفعها إلى آفاق أرحب، وتعزيز التعاون المشترك.

نيابة عن الرئيس السيسى، ترأست الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التعاون الدولى، الوفد المصرى المشارك فى «القمة الإيطالية الإفريقية»، وألقت كلمة مصر، التى تناولت رؤية الدولة لتعزيز العلاقات مع شركاء التنمية الثنائيين ومتعددى الأطراف، على الصعيدين الإقليمى والدولى، وأكدت، أو جدّدت، التزام مصر بمواصلة جهودها الهادفة إلى تحقيق تطلعات القارة الإفريقية التنموية، سواء على المستوى الثنائى، أو من خلال رئاسة الأجهزة والكيانات التابعة للاتحاد الإفريقى، كاللجنة التوجيهية لوكالة الـ«النيباد»، التى يتولى الرئيس السيسى رئاستها منذ فبراير الماضى.

الـ«نيباد»، «NEPAD» هى الأحرف الأولى من عبارة إنجليزية ترجمتها «الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا». وبالتعاون مع الدول الإفريقية الشقيقة، ومن خلال سكرتارية الوكالة، تسعى مصر، جاهدة، خلال فترة رئاستها التى تنتهى سنة ٢٠٢٥، إلى حشد الموارد المالية لتمويل المشروعات، التى تضمنتها الأجندة الإفريقية للتنمية المستدامة، أو «رؤية إفريقيا ٢٠٦٣»، وتكثيف التعاون والتنسيق مع الشركاء الدوليين، لسد الفجوة التمويلية فى مشروعات التنمية المستدامة، وتخفيف أعباء الديون عن الدول الأكثر تضررًا، مع الاستفادة من المبادرات الجديدة التى يتم طرحها خلال قمم الشراكات التابعة للاتحاد الإفريقى.

ما قد يدعو للتفاؤل هو أن مجالات أو محاور «خطة ماتى»، تغطى القطاعات ذات الأولوية للدولة المصرية، مثل التعليم والتدريب، الصحة، المياه والصرف الصحى، الزراعة، الطاقة، والبنية التحتية. ولكونها دولة مصدَر ومعبَر ومقصد، يحتل ملف الهجرة غير الشرعية، أيضًا، مرتبة متقدمة على أجندة مصر الوطنية، التى تتبنى نهجًا شاملًا فى التعامل مع هذا الملف، من خلال تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى المناطق الطاردة، ورفع مستوى الوعى، وتوفير العمالة المدربة، وخلق مسارات للهجرة النظامية، بالتوازى مع إحكام السيطرة على الحدود، ومكافحة شبكات التهريب والاتجار فى البشر.

.. وتبقى الإشارة إلى أن رئيسة الوزراء الإيطالية كانت قد تعهدت، خلال حملتها الانتخابية، «بوقف إنزال» المهاجرين على سواحل بلادها، لكنها تراجعت خطوة إلى الوراء، خلال افتتاحها مؤتمرًا دوليًا عن «الهجرة والتنمية»، الذى استضافته روما، فى ٢٣ يوليو الماضى، وقالت إن حكومتها منفتحة على استقبال المزيد من الأفراد «عبر الطرق القانونية»، ثم أعلنت عن إطلاق مبادرة باسم «مسار روما»، لتوفير التمويل اللازم، لدعم مشروعات التنمية فى إفريقيا، خاصة فى الدول التى ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين.