رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جمهورية تكساس!

الصراع القديم، والمتكرر، بين ولاية تكساس، وحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، تجدّد منذ أيام، بعد أن قضت المحكمة الأمريكية العليا بأحقية حرس الحدود الفيدراليين فى إزالة أسلاك شائكة، أقامتها الولاية على طول حدودها مع المكسيك، لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين. ومع هذا الصراع، تصاعدت المخاوف من نشوب حرب أهلية، وتجددت المطالبات بانفصال الولاية عن الولايات المتحدة.

ثانى أكبر الولايات الأمريكية، من حيث المساحة، بعد ألاسكا، ومن حيث عدد السكان، بعد كاليفورنيا، كانت دولة مستقلة، بالفعل، بين ١٨٣٦ و١٨٤٥، واعترفت بها الولايات المتحدة نفسها، والدولتان الأوروبيتان الأكبر فى ذلك الوقت، بريطانيا وفرنسا، قبل أن تصبح، فى ٢٩ ديسمبر ١٨٤٥، الولاية الثامنة والعشرين فى دولة الاتحاد، غير أنها أعلنت عن انفصالها فى أوائل ١٨٦١ وانضمت إلى الولايات الكونفيدرالية الأمريكية فى ٢ مارس من السنة نفسها، قبل أن تعود إلى دولة الاتحاد بعد الحرب الأهلية الأمريكية. 

خلال فترة الاستقلال، تحديدًا فى ٢٥ يناير ١٨٣٩، جرى اعتماد العلم الرسمى للولاية، الذى جرى تداوله بكثافة خلال الأيام الماضية، والذى يتكون من شريط طولى باللون الأزرق، على جانبه الأيسر، يغطى ثلث مساحته، وتتوسطه نجمة خماسية بيضاء، حصلت منه الولاية على اسمها الشائع «ولاية النجمة الوحيدة»، أما الجزء الباقى من العلم، فينقسم بالتساوى بين اللونين الأبيض فى الجزء العلوى والأحمر فى الجزء السفلى. ولا يزال هذا العلم يرفرف على منازل وشركات الولاية، ويحظى بشعبية كبيرة بين سكانها أو مواطنيها، ويتم التعامل معه بدرجة كبيرة من الاحترام والتقدير. وكان لافتًا، ومقلقًا للإدارة الأمريكية، أن يأمر حاكم الولاية، أمس الأول الأحد، برفع هذا العلم، رسميًا، فى كل المرافق الحكومية.

الصراع بين ولاية تكساس وحكومة الولايات المتحدة الفيدرالية، كما أشرنا، قديم ومتكرر. ومنذ تسعينيات القرن الماضى، تشكك حركات أو مجموعات انفصالية، إحداها تحمل اسم «جمهورية تكساس»، فى شرعية ضم الولاية للدولة الاتحادية، عقب الحرب الأهلية الأمريكية، وتؤكد أنها تحت الاحتلال، ويجب أن تتحرر من القبضة الخانقة التى تفرضها عليها الحكومة الفيدرالية. وهناك حركة انفصالية أخرى اسمها «تيكسيت»، أكد زعيمها لمجلة «نيوزويك» أن الولاية ستصبح دولة مستقلة فى غضون ثلاثة عقود. وهناك «حركة تكساس القومية»، التى تأسست سنة ٢٠٠٥، وتضم صفحتها على فيسبوك حاليًا أكثر من ٢١٠ آلاف متابع، ويدعمها كثيرون من قادة الحزب الجمهورى فى الولاية.

من العجائب أو الطرائف أن ريتشارد مكلارين، مؤسس حركة «جمهورية تكساس»، الذى يقضى الآن عقوبة السجن لمدة ٩٩ سنة، قدم التماسًا، سنة ١٩٩٥، إلى محكمة العدل الدولية، فى لاهاى، يطالب فيه بالاعتراف بجمهورية تكساس كدولة مستقلة، غير أن المحكمة ردت بأنها مختصة فقط بنظر الدعاوى التى تقيمها الدول ضد بعضها بعضًا، ولا يمكنها تسلم طلبات من أفراد، أو مساعدتهم فى نزاعاتهم مع سلطات أى دولة كانت. ومن الطرائف أو العجائب، أيضًا، أن مواطنًا اسمه تيموثى بول كووتينى، كان مسجونًا فى ولاية كولورادو، وادعى فى مثل هذا الشهر منذ عشرين سنة، أى فى يناير ٢٠٠٤، أن هذه الولاية لا يمكنها تسليمه إلى ولاية كاليفورنيا، لأنه ليس مواطنًا أمريكيًا بل ينتمى إلى جمهورية تكساس، وطبعًا رفضت المحكمة هذا الادعاء!

.. وتبقى الإشارة إلى أن الحدود الأمريكية مع المكسيك، التى تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر، عبرها نحو ٢٢٥ ألف مهاجر فى ديسمبر الماضى فقط، طبقًا لإحصاءات رسمية، أى بمعدل ٧ آلاف و٥٠٠ شخص يوميًا. ولأن الجمهوريين يستخدمون ملف الهجرة غير الشرعية فى مهاجمة خصومهم من الحزب الجمهورى، طبيعى أن تتزايد حدة الهجمات مع اقتراب انتخابات الرئاسة المرجح أن يتنافس فيها الرئيس الديمقراطى الحالى جو بايدن، والرئيس السابق دونالد ترامب، الذى قام، مع ٢٥ حاكم ولاية، ينتمون للحزب الجمهورى، بدعم حاكم تكساس الجمهورى جريج أبوت، وحق الولاية فى الدفاع عن نفسها!