رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إفريقيا 50

سنة كاملة قضاها المخرج الفرنسى رينيه فوتييه، Rene Vautier، خلف القضبان، لمجرد أنه أنتج وأخرج، سنة ١٩٤٩، فيلمًا وثائقيًا قصيرًا، مدته ١٧ دقيقة، عنوانه «إفريقيا ٥٠»، Afrique 50، تناول فيه الظروف المعيشية الصعبة، وجرائم الاحتلال الفرنسى فى إحدى قرى كوت ديفوار، وأطلق خلاله نداءً لإيقاظ الضمائر فى فرنسا. ومع محاكمة «فوتييه» بثلاث عشرة تهمة، ثم حبسه، ظل الفيلم ممنوعًا من العرض، حتى أفرجت عنه حكومة الرئيس فرنسوا ميتران، فى تسعينيات القرن الماضى!

اسم هذا الفيلم، الذى يعد أول فيلم فرنسى ضد الاستعمار، صار عنوانًا لصندوق أسسه «بنك التنمية الإفريقى»، بمشاركة حكومات إفريقية، للمساعدة فى سد فجوة تمويل مشروعات البنية التحتية فى قطاعات الطاقة، والنقل، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والمياه، وتنفيذ أكبر عدد من هذه المشروعات، على المديين القصير والمتوسط، من خلال تضييق الفترة الزمنية بين تاريخ طرح فكرة المشروع وجمع التمويل وحشد الموارد اللازمة، من القطاعين العام والخاص، مع التركيز على المشروعات المتوسطة والكبيرة، التى لها تأثير إنمائى وتعمل على تحقيق الحياد المناخى، وتقدم للمستثمرين عائدًا يتناسب مع حجم المخاطر. ما يعنى أن مهمة الصندوق محددة فى تمويل المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية.

انطلاقًا من الأجندة الإفريقية للتنمية المستدامة ٢٠٦٣، وفى ضوء «برنامج تطوير البنية التحتية فى إفريقيا»، PIDA، الذى دعا فيه رؤساء الدول الإفريقية إلى إيجاد حلول مبتكرة لتسريع تسليم البنية التحتية فى القارة، جرت المصادقة على تأسيس صندوق «إفريقيا ٥٠»، فى مايو ٢٠١٣، خلال الاجتماعات السنوية لـ«بنك التنمية الإفريقى»، التى استضافتها مدينة مراكش المغربية. وفى سبتمبر ٢٠١٤، تم الانتهاء من القانون الأساسى، واختيرت العاصمة المغربية، الدار البيضاء، مقرًا له. ومع التوقيع على اتفاقية مقر الصندوق، فى ٢٨ يوليو ٢٠١٥، وصل عدد الدول التى اكتتبت فى الرأسمال التأسيسى للصندوق إلى ٢٠ دولة تصدرتها الكونغو بمائتى مليون دولار، ثم مصر والمغرب بمائة مليون دولار لكل منهما.

لا نعرف إن كان مؤسسو الصندوق اختاروا الاسم من عنوان الفيلم الفرنسى القديم أم لا، لكن ما نعرفه، أو ما بات فى حكم المؤكد، هو أن الخطاب المُعادى لفرنسا فى مستعمراتها الإفريقية السابقة، تزايد بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة، بسبب طريقة التعامل الفرنسية، التى تغلب عليها الرؤية الفوقية، وعدم الاعتراف بأخطاء أو خطايا الماضى، والتدخل فى السياسات الداخلية، سواء بدعم الانقلابات العسكرية أو الاغتيالات أو تزوير الانتخابات، وغيرها من الوسائل، التى جعلت واجادوجو ونيامى وداكار وباماكو و... و... وغالبية عواصم غرب ووسط إفريقيا، تشهد مظاهرات تندد بالسياسات والتدخلات الفرنسية.

المهم، هو أن صندوق «إفريقيا ٥٠» انطلق برأسمال مبدئى بلغ ٣ مليارات دولار، مقسمة إلى ٣ ملايين سهم، وأتيح الاكتتاب فيه لحكومات الدول الإفريقية، والمؤسسات المالية العامة الإفريقية، وغير الإفريقية، والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية العاملة فى إفريقيا، والصناديق السيادية، وشركات القطاع الخاص والأفراد. ومنتصف يناير الجارى أعلنت «مؤسسة التمويل الدولية»، عن قيامها بضخ استثمارات قيمتها ٢٠ مليون دولار فى الصندوق. كما سبق أن أعلنت ١٦ جهة عن التزامها بضخ ٢٢٢ مليون دولار، لتمويل مشروعات البنية التحتية الرقمية والطاقة والنقل والمياه والصرف الصحى، وسد فجوة تمويل البنية التحتية فى القارة والتى قدرها «بنك التنمية الإفريقى» بأكثر من ١٠٠ مليار دولار سنويًا.

.. وتبقى الإشارة إلى أن الصندوق أسس شركتين، إحداهما لتطوير المشروعات والثانية لتمويلها، وصباح أمس السبت، نشرت الجريدة الرسمية، قرارين لرئيس الجمهورية بشأن الموافقة على اتفاقيتى تأسيس هاتين الشركتين وانضمام مصر إليهما، بعد موافقة مجلس الوزراء، فى ٩ أغسطس الماضى، ثم موافقة مجلس النواب، فى ١٢ نوفمبر الماضى: القرار رقم ٤٧٤ لسنة ٢٠٢٣ بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس «شركة إفريقيا ٥٠ لتطوير المشروعات» وانضمام مصر إلى الاتفاقية. والقرار رقم ٤٧٥ لسنة ٢٠٢٣ بشأن الموافقة على اتفاقية تأسيس «شركة إفريقيا ٥٠ لتمويل المشروعات» وانضمام مصر إلى الاتفاقية.