رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما بعد أوامر العدل الدولية

بأغلبية ١٥ صوتًا مقابل صوتين، أمرت «محكمة العدل الدولية»، أمس الجمعة، دولة الاحتلال الإسرائيلى، باتخاذ كل التدابير لمنع أى أعمال يمكن اعتبارها إبادة جماعية فى قطاع غزة، وضمان عدم ارتكاب قواتها أيًا من تلك الأعمال، ومنع ومعاقبة أى تصريحات أو تعليقات عامة تحرّض على ارتكابها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وعدم التخلص من أى دليل يخصّ الدعوى المقامة ضدها، وتقديم تقرير للمحكمة، فى غضون شهر، بشأن تنفيذ هذه الأوامر أو التدابير. 

لم تتضمن الأوامر، أو التدابير، كما هو واضح، وقف إطلاق النار أو «تعليق إسرائيل الفورى عملياتها العسكرية فى غزة»، الذى كان على رأس التدابير المؤقتة، التى طالبت بها جنوب إفريقيا، فى الدعوى التى تتهم فيها دولة الاحتلال بانتهاك اتفاقية حظر «الإبادة الجماعية»، لسنة ١٩٤٨، وهى الدعوى، التى قالت المحكمة إنها لن ترفضها، والتى سبق أن أوضحنا أن الحكم، أو البت فيها قد يستغرق سنوات طويلة.

ما زال قطاع غزة يتعرض للعدوان الإسرائيلى المتواصل، جوًا وبحرًا وبرًا، منذ ٧ أكتوبر الماضى، الذى دمّر مساحات شاسعة فى القطاع، وأودى بحياة حوالى ٢٦ ألفًا، وجعل ٩٣٪ من سكانه يعانون «مستويات مختلفة من الجوع»، حسب أحدث تقارير برنامج الأغذية العالمى، التابع للأمم المتحدة. ومع ذلك، رأت خارجية جنوب إفريقيا أن قرار محكمة العدل الدولية «يمثّل انتصارًا حاسمًا لسيادة القانون الدولى»، كما رحبت به، أيضًا، الدولة الفلسطينية، ودعا وزير خارجيتها، رياض المالكى، جميع الدول، بما فيها إسرائيل، إلى ضمان تنفيذه، مؤكدًا أن قضاة المحكمة «حكموا لصالح الإنسانية والقانون الدولى».

الأوامر المؤقتة، أو القرارات العاجلة، التى تصدرها «محكمة العدل الدولية»، تكون ملزمة وسارية، نظريًا، أثناء نظر الدعوى. غير أن ذلك لا يعنى، بالضرورة، أن دولة الاحتلال ستلتزم بتنفيذ قرار، أو أوامر، أمس، لأن المحكمة ليس لديها أى آلية لتنفيذ أوامرها، قراراتها أو أحكامها. بالضبط، كقرارات مجلس الأمن، تحت الفصل السادس، الخاص بـ«تسوية النزاعات بالطرق السلمية»، التى تفتقر، هى الأخرى، إلى آليات التنفيذ، وبالتالى يستطيع العضو المارق، الذى لا يفى، عادة، بعهوده أو تعهداته، أن يرفض تلك القرارات، أو يتجاهلها، أو يرميها فى سلة المهملات. وعليه، لم يفاجئنا إعلان بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، عن رفضه قرار، أو أوامر المحكمة، التى وصفها بأنها «مشينة»، و«تمييز صارخ ضد الدولة اليهودية»، و«محاولة دنيئة لحرمان إسرائيل من حقها فى الدفاع عن نفسها»!

المهم، هو أن «محكمة العدل الدولية»، طبقًا للفصل الرابع عشر من ميثاق الأمم المتحدة، هى الأداة القضائية الرئيسية للمنظمة الدولية، التى استهدفت القوات الإسرائيلية ملجأ تابعًا لها فى خان يونس، الأربعاء، بغارة جوية أسفرت عن مقتل ١٣ شخصًا. كما لا يزال جيش الاحتلال مستمرًا فى استهداف موظفى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، «الأونروا»، الذين قتل منهم حتى الآن حوالى مائتين. ولعلك تعرف أن الأمم المتحدة أصدرت أكثر من ٨٠٠ قرار لمعالجة الصراع العربى- الإسرائيلى أو الفلسطينى- الإسرائيلى. ولعلك تعرف، أيضًا، أن كل هذه القرارات تم انتهاكها، إسرائيليًا وأمريكيًا، أو إسرائيليًا برعاية أمريكية. ويمكنك أن تضيف إلى ذلك أن «مجلس حقوق الإنسان» التابع، أيضًا، للأمم المتحدة، أدان إسرائيل أكثر من ٥٠ مرة، دون أن يترتب على تلك الإدانات أى شىء!

.. أخيرًا، وتأسيسًا على كل ما سبق، أو ما سيحدث لاحقًا، نرى أنك تظلم «محكمة العدل الدولية» لو انتظرت منها دورًا أكبر، أو أداءً أفضل، من «مجلس الأمن»، المنوط به الحفاظ على استقرار العالم، الذى يعانى من شلل وظيفى، أو من «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، التى ثبت، مرارًا، أنها مجرد مؤسسة رمزية. وقد تكون الإشارة مهمة، أو لا تكون، إلى أن هناك آليات داخل منظومة الأمم المتحدة تتيح لها إجراء تحقيقات بشأن جرائم الحرب والإبادة الجماعية، وفرض عقوبات على الدول التى ترتكبها، وتفويض وإرسال بعثات لحفظ السلام، ورصد انتهاكات حقوق الإنسان، خلال الصراعات وبعدها.