رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجليات الصراحة الصادمة فى الأحلام الغائمة «3»

دخلت الجيم مبكرًا، يلفت الانتباه طولها الفارع ورشاقتها، لماذا تأتى للجيم؟ ما حاجتها للجيم؟ ربما تريد زيادة وزنها.. ترتدى بنطلون جينز مقطعًا وشميز أبيض، لا يمكنك القول إنها جميلة، ملامحها حادة ووجهها مستطيل، عيناها بُنيتان لا تركزان على شىء، لا تثبتان، شفتاها رفيعتان، تطبقهما بقوة، لكنهما ترتسمان كهلال حول أسنانها ناصعة البياض، فتحب ابتسامتها وتتمنى أن تستمر للأبد، لكنها حريصة، تضن بابتسامتها أو أى إيماءة من وجهها، ترتدى قناعًا صارمًا، يخفى تحته الكثير.

أصل للجيم فى الثامنة إلا الربع، ألمحها وأنا قادمة تجلس على الكافيه القريب من الجيم، وأمامها فنجان من القهوة، وكتب وملفات أوراق، تتركها فى سيارتها، أعرف من بطاقتها الشخصية أنها متزوجة وتعمل مترجمة. 

وعندما تدق الثامنة تدخل الجيم فى هدوء، وفى التاسعة تخرج بعد أن تغسل وجهها وتضع الروج الباهت أو البيج بنى على شفتيها.

وخلال الساعة لا يخرج من فمها إلا عبارتان:

- صباح الخير. 

- سلام. 

تلقى التحية بطريقة ميكانيكية، ولا تنتظر ردًا، مرة واحدة سألت عن إمكانية التواصل مع إدارة الجيم، أطلت الوقت فى مسح جهاز الإنبودى، بعد أن سألتها كابتن ريهام عن السبب، فأخرجت من حقيبتها «فايل أزرق»، وقالت:

- هيتم تنظيم ماراثون مصر الجديدة، بعد شهرين، وممكن الدكتورة أو الشركة تكون مهتمة برعاية النشاط ده. 

أخرجت من محفظتها كارت.

- هنا رقم تليفونى، ممكن مكتب الدكتورة يترك لى رسالة على الواتس.

تسير طوال الوقت على المشاية، لا تتدرب على أجهزة أخرى، نصف ساعة على مشايتين، أحاول التقرب منها:

- هل أخفض الصوت؟

نشغل قناة «إم بى سى تو» دائمًا دون صوت، بينما يعلو صوت أغانى عمرو دياب، حكيم، محمد محيى، وأى أغنية جديدة تفرقع فى السوق.. يا صاحبى، الغزالة رايقة، ٣ دقات. 

تهز رأسها نفيًا، دون أن تلتفت لى. 

أتركها وبداخلى شىء من الغيظ تحول مع الأيام إلى نوع من التعاطف، وقد لاحظت أنها تسير على المشاية فى بعض الأحيان وهى مغمضة العينين، مع تكرار إغماضها عينيها، وعدم تغييرها سرعة المشاية ظننت أنها تريد أن تنام، فسألتها: 

- حضرتك كويسة؟

- فتحت عينيها، وأخرجت السماعة من أذنيها، وسألتنى باندهاش. 

- أفندم؟ 

- حضرتك مغمضة عينيك.

- آه، لا، عادى. 

أتابع جلستى أمام غرفة الساونا، ما زال الوقت مبكرًا، وأمامى يوم طويل، إعادة تطهير وتلميع كل جهاز بعد انتهاء العميلة منه. أتأكد من إغلاقى الموبايل، تنص تعليمات الجيم على إغلاق جميع العاملات الموبايل، حتى لا يشغلهن، وتتأكد المشرفة من تسليمنا الجهاز مغلقًا، يسمح للعميلات باصطحاب الموبايل، ولكن مع التأكد من غلق الصوت، ولا يسمح بالتقاط الصور داخل الجيم.

فجأة سمعت صوت هبدة، سقطة وصرخة، أسرعت لها، وجدتها سقطت من على المشاية، كان رأسها ملقى على المشاية المجاورة محميًا بذراعيها، وجزعها بين المشايتين وقدمها اليمنى على المشاية، أسرعت بفصل المشاية، لم أفهم كيف سقطت، هل نامت فعلًا؟ 

اجتمع حولها الكباتن ومديرة الفرع، وقد أصابتهن جميعًا حالة من الهلع، ربتُّ على كتفها، فتحت عينيها، ساعدتها على الاعتدال والجلوس، لم يكن فى وجهها أى كدمة أو أثر للسقطة، لكن كعبها كانت به رضوض من أثر الاحتكاك.

- سلامتك.

- كنا جميعًا فى حالة ترقب، وندعو الله بالستر، فمديرة الجيم يمكن أن تطرد جميع العاملات، إذا علمت بما وقع، وستتهم الجميع بالتقصير وعدم متابعة العميلات والمحافظة على سلامتهن. 

ردت بصوت أقوى مما تتوقعت: بسيطة.

تمتمت بأمل: يا رب.