رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يمكن للأغنياء أن يرثوا ملكوت الله؟.. متحدث كنيسة الروم يجيب

الأنبا نيقولا أنطونيو
الأنبا نيقولا أنطونيو

أطلق الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران طنطا والغربية للروم الأرثوذكس، ومتحدث الكنيسة في مصر، ووكيلها للشؤون العربية، نشرة تعريفية أجاب خلالها على سؤال "هل يمكن للأغنياء أن يرثوا ملكوت الله؟".

وقال الأنبا نيقولا خلال نشرته، إن يسوع المسيح قال لتلاميذه عن الشاب الغني: "وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا، إِنَّ مُرُورَ جَمَل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ".

وأثار هذا القول ليسوع بعض النقاش بين المسيحيين لقرون. وكانت هناك الكثير من المحاولات لتفسير هذا القول بطريقة تحول كلمات المسيح إلى بيان حول صعوبة وراثة الأغنياء ملكوت الله بدلاً من الاستحالة؛ لأن بعض الأشخاص يحاولون تبرير أنفسهم فقط. 

 

إثنان من أفضل التفسيرات المعروفة عن الآية المذكورة أعلاه:

التفسير الأول: كلمة "الجمل" خطأ في الترجمة. ففي النص اليوناني الكلمة التي وردت هي "kamilos" بمعنى "حبل"، وليس "kamelos" بمعنى "جمل". ففي الترجمة العربية، وكذلك في الترجمة اللاتينية، اختلط الحبل مع الجمل. 

 لذلك، فإن ما قاله يسوع حقًا هو: "وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا، إِنَّ مُرُورَ حَبْل مِنْ ثَقْب إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ".

التفسير الثاني: كان في سور مدينة القدس بوابة ضيقة تعرف باسم "عين الإبرة". كان من الصعب جدًا أن يمر الجمل من هذه البوابة إلا وهو على ركبتيه، والمشكلة الكبيرة في هذا التفسير هي أنه لا يوجد دليل تاريخي على الإطلاق يدعم وجود مثل هذه البوابة.

الرد على القول إن يسوع يتكلم عن صعوبة وراثة الأغنياء ملكوت الله وليس على الاستحالة، هو ما ورد في الإنجيل: "فَلَمَّا سَمِعَ تَلاَمِيذُهُ بُهِتُوا جِدًّا قَائِلِينَ، إِذًا مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْلُصَ. فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ، هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ" ومن الواضح في الآيتين السابقتين أن ربنا يسوع المسيح يتكلم عن الاستحالة، وليس مجرد الصعوبة، ومع ذلك فهو يمنح الأمل حتى للأغنياء جدًا بقوله: "هذَا عِنْدَ النَّاسِ غَيْرُ مُسْتَطَاعٍ، وَلكِنْ عِنْدَ اللهِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ"، وكذلك بقوله: "وَلكِنْ كَثِيرُونَ أَوَّلُونَ يَكُونُونَ آخِرِينَ، وَآخِرُونَ أَوَّلِينَ" 

لكن لماذا يخبرنا يسوع أنه من المستحيل أن يدخل الأغنياء ملكوت السماوات؟ ما هو الفظيع في الثروة؟.

اعتبر القديس باسيل الكبير الثروة الكبيرة تساوي عدم حب إخواننا البشر، حتى وإن حفظنا وصايا الله، كما أوضح بقوله للشاب الغني: "أنك حفظت عن شبابك وصية الحب وأعطيت للجميع نفس الشيء لنفسك، فكيف أتيت بهذه الوفرة من الثروة؟ رعاية المحتاجين تتطلب إنفاق الثروة ... أولئك الذين يحبون جيرانهم كما هم يحبون أنفسهم لا يملكون شيء أكثر من جيرانهم؛ ولكن بالتأكيد، يبدو أن لديك ممتلكات كبيرة! كيف يمكن أن يكون هذا غير ذلك ... فكلما ازدادت ثروتك كلما افتقرت إلى الحب". (إلى الأغنياء).

كان القديس باسيل، مثل القديس يوحنا الذهبي الفم وآباء الكنيسة الآخرين، يرون أن كل ما يملكه المرء فوق احتياجاته يجب أن يعطى لأولئك الذين لديهم أقل. لكن هذا المعتقد الاحتفاظ بما هو فوق الحاجة، هو بسبب الميل البشري لتطويع تعريف "الحاجة" ليتناسب مع مستوى الدخل الحالي للمرء. لذلك أولئك الذين لديهم المزيد يميلون إلى الاحتفاظ بالمزيد.

 

يعالج القديس باسيليوس الكبير هذا الموضوع في خطبته "سأمزق حظائرتي"، التي تتعامل مع مَثَل  الغني الأحمق الذي في اليوم نفسه الذي كان سيموت فيه، قال لنفسه: "أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَلاَتِي وَخَيْرَاتِي". يعتبر القديس باسيليوس هذا الهدم للمخازن لبناء أكبر منها، كتعبير مجازي لتوسيع فكرة الأساس للحاجة. "الحظيرة"، لديه، تمثل تعريفنا للحاجة، ما نعتقد أننا بحاجة إليه للعيش. كما يقول أيضًا القديس: "إنه إذا لم يكن لدينا أي إضافي لنشاركه، فذلك لأننا عدلنا تعريفنا للحاجة لتتناسب مع وضعنا".

 

هذا هو السبب في أن الثروة يمكن أن تصبح بسهولة عقبة أمام الحب والخلاص. ويصبح تعريفنا للحاجة مشوهًا، ونبدأ نرى الرفاهية والإفراط ضرورة، متجاهلين الفقر المدقع والحاجة الحقيقية والحرمان للآخرين، مفضلين راحتنا وثروتنا الوافرة على أبسط الاحتياجات الأساسية لإخواننا البشر.

 

يخبرنا يسوع أن ملكوت الله مثل لؤلؤة ذات قيمة هائلة. عندما يجدها أحدهم ويدرك قيمتها، يبيع كل ما لديه من أجل الحصول على تلك اللؤلؤة. في القداس الإلهي، نتذكر أن ما هو أهم من أي شيء في هذا العالم، وأثمن من أي شيء في الحياة، وأغلى من الحياة نفسها، هو ملكوت الله. وإذا ضحينا بكل شيء من أجل تلك المملكة، سنجد أننا لم نفعل حقًا تضحية بأي شيء على الإطلاق، ولكن بالأحرى، سنكون قد كسبنا شيئًا أغلى من أي شيء في العالم. سوف نكتسب الحياة الأبدية، حياة الله وملكوته التي لا نهاية لها.