رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الوقوف فى الهواء الطلق

أليس جابر
أليس جابر

انهمك على فى إعداد الشاى لحضرة الضابط النوباتجى، وفى لمح البصر كان الكوب الساخن يقبع إلى جوار ساندويتشات الطعمية اللذيذة على مكتب مجدى بك.

انفجر باب المكتب منفتحًا ودخل حسام بك شاخصًا فى وجه مجدى مباشرًا وصرخ:

- تعالى يا عم شوف المصايب اللى بتتحدف علينا ع الصبح.

- خير.

صرخ حسام فى الجاويش الواقف بجوار الباب قائلًا:

- هات يا بنى الست اللى عندى فى المكتب.

دخلت إميلدا عبدالمسيح القط بعصبية، ودون أن يدعوها أحد للجلوس جلست. كان وجهها مشوهًا بفعل بعض الكدمات الزرقاء اللون، لكنها متماسكة وتحتضن حقيبتها فى هدوء.

قال حسام:

- اتفضلى يا إميلدا هانم احكى لمجدى بك عن شكوتك.

- اسمى إميلدا عبدالمسيح القط، متزوجة من رءوف حنين فخرى موظف بالبوسطة، أرغب فى الخروج عن دينى وشطب اسمى من الكنيسة.

فرغ مجدى بك فاه وتبادل وحسام النظرات ثم قال:

- طيب واحنا مالنا يا ست، متروحى الأزهر.

- لا أحتاج الأزهر فى شىء فأنا لا أريد إعلان إسلامى، أنا فقط أرغب فى الخروج عن المسيحية.

ساد الصمت بعد الجمل الحادة المقتضبة لإميلدا عبدالمسيح.

قال مجدى: 

- طيب ودى محتاجة بلاغ فى القسم، بطلى تروحى الكنيسة وانتى تبقى مش مسيحية.

- لكنى مكتوبة فى البطاقة مسيحية.

- ودا مضايقك فى إيه، أهو كلام وخلاص.

- مضايقنى لأنه رابطنى بجوزى للأبد.

تدخل حسام شارحًا:

- الست مش طايقة جوزها وعايزة تطلع من دينها علشان المحكمة تحكملها بالطلاق.

- طيب وليه متروحيش الكنيسة وتحلى المشكلة معاهم وتريحينا من وجع الدماغ بتاعك ع الصبح.

اعتدلت إميلدا فى جلستها ونظرت مباشرة فى عينى مجدى بك وقالت:

_ أعرف تمامًا إنك مسيحى وهذا ما دفع بحضرة الضابط «وأشارت لحسام بك» إنه يحضرنى عندك، لكن الظاهر إنك متعرفش إن مافيش طلاق عندنا، مافيش غير الذل وصليبك اللى هو أصلًا مالوش علاقة بالصليب، متعرفش إنى اتشوهت من كتر الضرب، وجسمى غرقان صلبان.

روح حضرتك اتفرج على دعاوى الانفصال فى قضايا غير المسلمين فى المحاكم، رحمة ربنا بتنزل على فكرة على البشر بغض النظر عن دينهم.

_ يا ست فى إيه؟ إحنا مالنا بالكلام ده كله، حلى مشاكلك مع الكنيسة ولا فى المحكمة ولا مع جوزك حتى، إحنا هنا علشان نتلقى بلاغات الاعتداءات فقط لو عايزة تعملى محضر ضرب نعملك.

- أنا عاملة قبل كده سبع محاضر ضد المدعوك جوزى ومافيش فايدة، بيحلوهالنا ودى ويخرجوه بتعهد وبرضه بيرجع لمد الإيد، هو يعنى لازم يصورنى قتيلة علشان تتصرفوا؟

يا بيه أبوس على إيدك، دماغى مش سعفانى أعمل إيه تانى؟ عايزة أطلق، عايزة أعيش، عايزة منضربش كل يوم، عايزة أطلع من هدومى مش بس من دينى علشان العقدة تتحل.

_ وانت متعرفيش إن ده عندنا حرام؟ بقى تسيبى دينك علشان شوية مشاكل؟

_ دى مشكلتى أنا مع ربنا، ملكوش دعوة أنتم. طول عمرى بحكى معاه.

_ مين؟

_ ربنا، هو عارفنى وانا عارفاه، عارفة عنه إنه مبيرضاش بالظلم، ولا الذل، عارفة عنه إنه حنين، إنه مش هيتبسط بالكوى اللى على وركى.

وبدون حياء وفى حركة جنونية بدأت إميلدا تتعرى، فاستوقفها حسام بك ممسكًا بيدها ثم صرخ: 

_ متلمى نفسك يا ولية، أنا خارج يا مجدى وحلها أنت.

استرسلت إميلدا وسط دموع الحرقة ولهاث الأنفاس المتقطعة:

_ أنا خبّط على كل الببان، لا كنيسة ولا دولة ولا حتى الشرطة؟ أروح لمين بس؟

شرع مجدى فى تهدئتها ناصحًا لها بالموعظة الحسنة والمواظبة على التشبث بالصبر قائلًا:

- ربنا هيحلها من عنده يا ست، منقدرش نعملك حاجة، طلبك بالخروج عن دينك أمر غاية فى الغرابة، الحكومة يا ست إميلدا مانعة الوقوف فى الهواء الطلق. فى البطاقة لا بد أن تكونى إما مسيحية أو مسلمة.

_ ولماذا لا يكون فى البطاقة خانة تسجل الحالة؟

_ مش فاهم؟

_ يعنى ليه ميكتبوش سعيدة، أو تعيسة، فقيرة، غنية، ليه ميعرفوش الباقى ليه؟ ليه ميكتبوش لحمنا ونلمه؟ ليه ميكتبوش مقهورة أو منصورة؟ ليه ميكتبوش مأذية ويتم الاعتداء عليها يوميًا؟ مقدروش غير على الديانة؟

كان الحديث طويلًا وانتهى بانصرافها بلا حول ولا قوة، مر الأسبوع مفعمًا بالعمل فى قسم الشرطة لينتهى يوم الجمعة فجرًا ببلاغ عن جريمة قتل فى حى الشحاتين، توجه مجدى بك لموقع الحادث وإذ بالمجنى عليه مسجى غارقًا فى دمائه والقاتلة غارقة فى الضحك الهستيرى.

حين تلاقت العيون صرخت فى وجهه قائلة:

- شفت أنا حلتها إزاى، لا داعى للخروج فى الهواء الطلق.