فيينا.. عندما يتفوق الواقع على الخيال «8-5»
تبلغ المسافة بين فندق فليمنج، حيث أقمت، وقصر شونبرون، أهم المعالم السياحية فى فيينا، ٢.٥ كلم، وهى مسافة صغيرة، خاصة إذا عرفنا أن طول شارع قصر العينى من سور مجرى العيون حتى ميدان التحرير ٣.٣ كم، تحركنا من الفندق فى الساعة العاشرة تمامًا، حيث تميزت المجموعة، التى كنت أرافقها، بالانضباط الشديد فى المواعيد، أخبرنا مسيو جاك ومرشدنا السياحى فاديم بأننا سنأخذ جولة بالأتوبيس فى وسط فيينا فى طريقنا للوصول للقصر الإمبراطورى، خلال الجولة فهمت أن وسط فيينا أو فيينا القديمة يحيط بها طريق دائرى، احتفلت فيينا فى الأول من مايو هذا العام بالذكرى الـ١٥٨ لبنائه، حيث أمر الإمبراطور فرانز جوزيف عام ١٨٥٨ ببناء الطريق، وتم افتتاحه، رسميًا، فى الأول من مايو عام ١٨٦٥، كان الطريق سوارًا للمدينة حول مركز المدينة التاريخى، ويبلغ طول الشارع قرابة ٥.٣ كيلو، وهو شبه دائرى حول المدينة القديمة، لأنه من إحدى جهاته نهر الدانوب، والشارع الآن جزء من التراث العالمى لليونسكو، ويعد من أكبر الإنجازات للإمبراطور فرانز جوزيف فى القرن الـ١٩.
وكان لطريق Ringstraße والمبانى المخطط لإنشائها حوله هدفان، الأول: عرض لعظمة ومجد إمبراطورية هابسبورج، والثانى أن توسيع حجم الشوارع جعل إقامة الحواجز الثورية أمرًا صعبًا، وبالتالى تكون هدفًا أسهل للمدفعية، وتأثر إمبراطور النمسا بما فعله الإمبراطور نابليون الثالث ملك فرنسا فى باريس.
على طول الطريق توجد العديد من المبانى العامة الكبيرة بأسلوب تاريخى انتقائى، باستخدام عناصر من العمارة الكلاسيكية والقوطية وعصر النهضة والباروكية. ومن أهم معالم الشارع التى مررنا بها: مبنى البرلمان النمساوى الذى تم بناؤه فى الفترة من ١٨٧٤ إلى ١٨٨٣، المبنى على الطراز الإغريقى تحية لمدينة أثينا مهد ميلاد الديمقراطية فى العالم، دار الأوبرا بدأ بناؤها ١٨٦١ وانتهى ١٨٦٩، القصر الملكى «الهوفبورج»، مقر حكم مملكة الهابسبورج لأكثر من ٧٠٠ سنة، وهو الآن المقر الرسمى لرئيس الجمهورية، ويحتوى على المكتبة الوطنية النمساوية.
ويوجد أيضًا: متحف فيينا العالمى، متحف الإثنولوجيا، متحف تاريخ الفن، متحف التاريخ الطبيعى، جامعة فيينا، متحف قصر البلفيدير، وأكبر حديقة ومتنزه فى فيينا، مدرسة الفروسية الإسبانية فى فيينا التى تأسست قبل ٤٥٠ عامًا خلال حكم عائلة هابسبورج، المرور بهذا الطريق وكل هذه المعالم التاريخية جعل لدىّ رغبة فى زيارة فيينا مرات ومرات، فدخول هذه الأماكن والاستمتاع بما تحويه من عروض تاريخية وفنية يحتاج لأشهر وليس لأيام، لكننا كنا ملتزمين بوقت محدد للرحلة ولدينا موعد لدخول قصر شونبرون، حيث أتاح الحجز الإلكترونى للمجموعة عدم الوقوف فى طابور التذاكر، وقبل دخول القصر ووصف أجمل ما فيه يجب علىّ أن أوضح كلمة سمعتها كثيرًا فى رحلتى، وقد كانت جديدة علىّ، وهى تعبير «عائلة هابسبورج»، هذه واحدة من أعرق العائلات الملكية فى العالم، هذه العائلة من أصل ألمانى، وهى عائلة الأباطرة المنتخبين، رسميًا، لحكم الإمبراطورية الرومانية المقدسة بين ١٤٣٨- ١٧٤٠، وحكمت الإمبراطوريات النمساوية والإسبانية والعديد من البلدان الأخرى. فهذه العائلة حكمت النمسا ما يزيد على الستة قرون، وكان آخر حكامها للنمسا الإمبراطور كارل الأول: من ١٩١٦ إلى ١٩١٨، حيث تنازل عن العرش وتوفى فى المنفى عام ١٩٢٢. ولكن لا يزال هناك أفراد من العائلة منتشرون فى أنحاء العالم يطالبون بأملاكهم المنتشرة فى أوروبا.
ومن أملاكهم الشهيرة قصر شونبرون الذى يعكس عظمة الإمبراطورية النمساوية، واسم شونبرون يعنى «ينابيع الماء»، القصر بُنى فى القرن الرابع عشر الميلادى، فى عهد ماريا تيريزا، كمقر صيفى إمبراطورى، وكان المحور اللامع لحياة البلاط. منذ ذلك الوقت، حتى إنه أطلق عليه «قصر الاستمتاع»، استضاف القصر كبار قادة الدول فى أوروبا. وهو الآن أحد أهم الأصول الثقافية فى النمسا، وهو إحدى مناطق الجذب السياحى الرئيسية فى فيينا، حيث يجذب ملايين الزوار كل عام. وفى ديسمبر ١٩٩٦، تم وضع قصر شونبرون على قائمة مواقع التراث الثقافى العالمى لليونسكو. يضم قصر شونبرون ١٤٤١ غرفة، ولكن يمكن زيارة ٤٥ غرفة فقط منها.
فى حديقة القصر يمكن القيام بجولة بالعربة الملكية، وهى جولة تسمى جولة الإمبراطورة سيسى، وهى أجمل وأشهر إمبراطورة سكنت القصر، وفى المكان المخصص لبيع التذكارات تنتشر صورتها الفاتنة بشعرها الطويل على الأقلام والمراوح والحقائب وعلب الشوكولاتة، فهذه الجميلة لم يكن مخططًا لها أن تصير إمبراطورة، بل كانت العائلة تخطط لزواج إمبراطور النمسا فرانز جوزيف من شقيقتها، لكن القدر جعل فرانز يغرم بالصغيرة المتمردة إليزابيث أو سيسى، كما كانوا يدللونها، ويصر على الزواج منها؛ لتصبح إمبراطورة النمسا والمجر من ١٨٥٣ حتى وفاتها ١٨٩٨.
.. وللحديث بقية
