رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السينما فى المدرسة

تحل علينا هذا العام ذكرى مرور ٥٠ عامًا على رحيل طه حسين، وربما طغت شهرة لقب «عميد الأدب العربى» على دوره المهم فى مجال التعليم والثقافة. ونستطيع تبين ملامح مشروعه الثقافى التعليمى، أو فى الحقيقة الثقافى بالمعنى الشامل للكلمة، من خلال كتابه «مستقبل الثقافة فى مصر»، بالإضافة إلى محاولته تطبيق هذا المشروع عند توليه وزارة «المعارف العمومية». وهنا تطرق إلى ذهنى السؤال التالى: هل تدهورت أحوال مدارسنا عندما أطلقنا على الوزارة مصطلح «التعليم» بالمفهوم المحدود للكلمة، وليس بالمفهوم الأوسع للتعليم وفكرة «المعارف العمومية»؟ وهنا أتحدث عن الاهتمام الزائد بالأبنية التعليمية وحتى الكتاب المقرر، والإهمال الجسيم فى ميدان الأنشطة المدرسية، والعمل على رقى خيال ووجدان الطالب. ومع أزمة السينما فى مصر الآن، مع أن القاهرة كانت هوليوود الشرق، وجدتنى أعود إلى دفاترى القديمة لأرى كيف دخلت السينما مبكرًا إلى مدارسنا، وكيف هجرتها للأسف الآن، ورحت أتساءل عن مدى أثر ذلك على ارتفاع معدلات التطرف والإرهاب مع غياب الخيال والجمال عن مدارسنا.

ففى عام ١٩٢٧، طالبت الصحافة السينمائية من خلال مجلة «معرض السينما» بضرورة تعميم آلات السينما على جميع المدارس المصرية، سواء كانت حكومية أو خاصة، أو حتى تابعة للجمعيات الخيرية، وأيضًا نشر الثقافة السينمائية فى جميع معاهد العلم، سواء المعاهد الأولية، أو المعاهد العليا.

وترى المجلة أن هذا المشروع هو مشروع مستقبلى وحتمى لبناء الأمة المصرية الجديدة:

«ليت هذا المشروع يتم إعداد معداته فى أقرب وقت حتى يمكن البدء به فى أول السنة الدراسية القادمة فنكون إذ ذاك قد قمنا بما يجب علينا نحو مصر وشعب مصر، ونكون قد مهدنا سبل الفوز والنجاح لرجال الغد وأمهات المستقبل».

وسرعان ما اقتنعت الحكومة المصرية بأهمية السينما فى المجتمع الجديد؛ إذ نشرت المجلة الاقتصادية المصرية فى عدد يوليو ١٩٣٠، نص المذكرة التى رفعتها «لجنة تنظيم التعليم بالسينما» إلى وزير المعارف العمومية «وزير التعليم». ويتضح من المذكرة مدى الاهتمام الكبير الذى أولته وزارة المعارف لهذا الاختراع الجديد، وتوظيفه فى صناعة الوعى لدى الطلاب. كما نُفاجأ بهذا العدد الكبير من آلات العرض التى اقتنتها الوزارة، وقامت بتوزيعها على المدارس فى ذلك الوقت، إذ يبلغ عدد آلات السينما ٨٥ آلة موزعة على النحو التالى:

٤٢ آلة سينما بالمدارس الابتدائية، ١٦ آلة سينما بالمدارس الثانوية، ١ آلة سينما بالمعلمين العليا، ١ آلة سينما بالمعلمين الثانوية، ١ آلة سينما بدار العلوم، ٢٤ آلة سينما بالمدارس الابتدائية للبنات، كما يوجد بالمدارس عدد ١٩٩٢ شريطًا سينمائيًا.

هكذا أدرك الجميع مبكرًا مدى أهمية هذا العفريت الجديد فى صناعة الوعى الجمعى للشعب المصرى.

متى تعود السينما، وباقى الفنون، ضمن الأنشطة المدرسية، ليعود الخيال والجمال إلى مدارسنا؟