رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليلة عيد فى شبرا

خيرًا فعلت الحكومة المصرية عندما أعلنت عن أن ٧ يناير- عيد الميلاد لدى الكنيسة المصرية- هو عطلة رسمية لجميع المصريين، فهو بحق عيد ميلاد المحبة للعالم أجمع، وبالتأكيد لمصر، التى كانت مقصدًا لرحلة العائلة المقدسة. ونحن نعيش أجواء هذا العيد، عيد كل المصريين، تذكرت أيام الطفولة فى شبرا، وكيف كان الحال فى ذلك الزمن الجميل، عندما كان يحتفل الجميع بهذا العيد الجميل منذ رأس السنة وحتى السابع من يناير.

هل أُبالغ إذا قلت إن شبرا فى العقل الجمعى المصرى أصبحت رمزًا للمحبة والمواطنة؟ بالقطع لا، وسأضرب لك المثل أيها القارئ الكريم من خلال تجربتى الذاتية الممزوجة أيضًا بعبق التاريخ. ولنا أن نتخيل مكونات الوعى والهوية لدى هذا الطفل الذى يولد فى شارع يحمل اسم «جرجس بولس»، وعندما سأل جده عمن يكون هذا الشخص «جرجس بولس»؟ كان رد الجد أنه ربما يكون اسم أول شخص سكن هذا الشارع. ولم يمتعض الجد من أن يحمل الشارع اسمًا لمسيحى، أقول ذلك وأنا أتذكر أيضًا ثورة المد الإسلامى فى نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، على اسم أحد أهم ميادين شبرا «ميدان فيكتوريا»، وإصرار البعض على ضرورة تغيير اسم الميدان، وبالفعل أُطلِق عليه اسم «ميدان نصر الإسلام» نسبةً لاسم أحد المساجد فى المنطقة، ورغم ذلك استمر الجيل القديم فى استخدام اسم «ميدان فيكتوريا».

لنا أن نتخيل هذا الطفل الذى ينمو وعيه وهو يردد أسماء جيرانه المحيطين بمنزله: إلى اليمين منزل خالتى أم نقولا، وفى المواجهة منزل خالتى أم رشدى، وبجانبه منزل خالتى أم سمير؛ وكان أقرب أصدقاء والده: عم فرنك جرجس وعم أحمد عبدالهادى؛ وأقرب أصدقاء عمته الشابة آنذاك: سميرة زكى. أقول هذا كما تذكرته مؤخرًا وأنا فى ندوة مع الصديقة الشبراوية العتيدة «فيفيان فؤاد» التى تعمل فى مجال الجمعيات الأهلية، عندما حدثتنى أنها أثناء العمل الاجتماعى فى محافظة المنيا الآن، وجدت شبابًا مسلمًا لم يلتقِ بأى شاب قبطى، نتيجة سياسات التباعد الاجتماعى التى فرضتها للأسف بعض التيارات السلفية المتغلغلة فى المنيا.

ورحنا نسترجع تاريخ شبرا رمز المحبة والمواطنة؛ هل ننسى القمص سرجيوس خطيب ثورة ١٩؟ هل نتذكر أن البابا شنودة جاء من الصعيد شابًا إلى شبرا وعاش بها؟ هل نتذكر القمص بولس باسيلى الذى نجح فى دخول البرلمان فى بداية السبعينيات عن دائرة شبرا؟

ورحت أتذكر داليدا بنت شبرا، الإيطالية الأصل، والتى أصبحت أشهر مطربة عالمية فى النصف الثانى من القرن العشرين، وكيف وُلِدَت فى شبرا وعلى بُعد ١٥٠ مترًا من المنزل الذى وُلِد فيه أبى، وفى العام نفسه تقريبًا، وتخيلت حالة التسامح والمحبة بين المصريين والأجانب. هل نتذكر مارى منيب أشهر حماة مصرية، وهى اللبنانية الأصل، والتى عاشت طفولتها وشبابها فى شبرا؟ من ينسى أشهر المخرجين السينمائيين من أبناء شبرا «هنرى بركات»، الشامى الأصل؟ من منا سأل عن ديانة المبدعين سمير سيف وخيرى بشارة، أو حتى المطربة الجميلة سيمون؟

رحت أتذكر كيف أطلق يحيى الجمل نائب رئيس الوزراء الأسبق على أخته الشابة- تندرًا- اسم سانت تريزا، لأنها تشبهها فى الوجه والجسد النحيل. وتذكرت كيف كانت والدتى تصحبنى لزيارة كنيسة سانت تريزا وأخذ البركة والدعاء لابنها الأكبر، وهى الأم المسلمة، لكنها الأم التى تتبرك بالفطرة بكل الأمهات من الإلهة إيزيس فى مصر القديمة مرورًا بالسيدة العذراء، وصولًا إلى السيدة زينب والسيدة نفيسة، وتذكرت أسماء مشاهير المسلمين المنقوشة على بلاطات سانت تريزا، هؤلاء الذين جاءوا من أجل البركة والمحبة والسكينة.

ليلة عيد.. الليلة ليلة عيد، كل عام ومصر كلها فى سلام.