رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتصار الفساد.. وهزيمة ثورة


صرح رئيس الوزراء السابق بأن الجميع برىء ما لم تثبت إدانته!! ويعنى هذا أن الجماهير هى المخطئة فى حق الفساد.. والشعب هو المفترى وليس المفترى عليه!! أى ثورة هذه عندما يصبح الفساد هو الذى يدير شئوننا فى كل المجالات المختلفة، دون عقاب أو ضرب أو حتى إبعاده أو وقفه أو تخفيض نفوذه.

«كبير يا شعب مصر».. كبير على الهزيمة.. هكذا كنا نغنى بعد هزيمة 1967، كان يوم 24 يناير 2011 يمثل الحاجز بين الشعب ونظام، حيث استولت أسرة مبارك ونظامه على كل ثروات البلاد، وجرفت الأرض وزرعت فى ربوع الوطن الفساد ينهل من ثروات البلاد ويخنق الحريات. وكان صباح اليوم التالى ثورة خرجت فى كل الميادين والمدن حتى القرى تعمل على اقتلاع هذا النظام.. لم تكن هناك طليعة للثورة أو حتى قيادة للجماهير فقد كانت الأحزاب مسجونة فى مقارها وتخضع للحصار الدائم، وتم الاستيلاء على ثورة الشعب من قبل تنظيم واحد هو الأقوى والمدعوم من قوى الشر العالمى لتمزيق هذا الوطن.. واستمر الشعب كله فى ثورة مستمرة حتى 30 يونيو 2013 ويعيد الثورة والوطن إلى مكانها الصحيح حيث كان يحلم الشعب.. اشتبك الشعب المصرى ومؤسساته الوطنية فى معركة دموية مع جماعة الإخوان ثم فلولها، وسقط الحلم الاستعمارى بدلاً من سقوط الوطن نفسه.. كان هناك عدو آخر أكثر شراسة من جماعة الإخوان اختبأ برأسه عند الموجة الثورية الأولى، ثم عاد قويًا منتشيًا يمارس نفس توحشه القديم، بل وأعلن عن نفسه أنه عاد مرة أخرى ودون مقاومة مستعملاً أسماء جديدة ووجوهًا تحمل سمات القديم والجديد، وانتشر الفساد بقوة واعتبر نفسه هو الثورة، بل وبديلاً عن الجماهير نفسها، وأخذ يحطم أحلام الجماهير وفى الطليعة الشباب، بل إنه أخذ يقدم الفساد على أنه هو الإنقاذ نعم أصبح الفساد أكثر قوة مما كان حتى أيام نظام مبارك نفسه! استولى على المؤسسات والهيئات والشركات العامة ولم يترك شبرًا واحدًا إلا وتواجد فيه، لماذا انفجرت الإضرابات فى كل ربوع الوطن؟؟ لم يكن الحد الأدنى للأجور السبب، ولكن ما تراه عيون الجماهير من نهب منظم وسرقة قانونية لثروات الوطن هى سبب هذا الانفجار! لدينا أكثر من 80 هيئة اقتصادية تعمل لديها الملايين، حيث تستولى قيادات هذه الهيئات المملوكة للشعب على نسبة كبيرة من عائدات هذه الهيئات، وتترك الفتات للجماهير نفسها، من يصدق إن قيادات هذه الهيئات أنشأت لنفسها شركات خاصة بأموال هذه الهيئات نفسها.

وأخذت تمنح لنفسها أموالاً طائلة بلوائح علنية وسرية دون أى رقابة من أى جهاز ويكفى ما نسمع عنه من إضراب هيئة البريد وعمال الغزل والنسيج وهيئات النقل العام بالقاهرة والإسكندرية.. ولم يسأل أحد كم تحصل قيادات هذه الهيئات؟؟ الغريب بعد كل الثورات والانتفاضات والإضرابات لم نسمع عن إبعاد مسئول أو إقالته أو حل مجلس إدارة هيئة.. بل كان «العند» الموروث من نظام مبارك هو السائد والمدرسة المعمول بها والثقافة المستمرة!

بل صرح رئيس الوزراء السابق بأن الجميع برىء ما لم تثبت إدانته!! ويعنى هذا أن الجماهير هى المخطئة فى حق الفساد.. والشعب هو المفترى وليس المفترى عليه!! أى ثورة هذه عندما يصبح الفساد هو الذى يدير شئوننا فى كل المجالات المختلفة، دون عقاب أو ضرب أو حتى إبعاده أو وقفه أو تخفيض نفوذه.. بدلاً من حمايته ومنحه الغطاء السياسى وتقويته.. ونترك الجماهير تعلن الإضرابات مستنكرة قيادات فاسدة فشلت حتى فى إدارة الهيئات نفسها! والغريب أن ثروات البلاد الكبرى من غاز وبترول مازالت السرية الموروثة من نظام مبارك مستمرة ولا يجوز لأحد مهما كان حتى الشعب نفسه أن يطلع عليها! هل هناك عاقل، أو حتى مختل يصدق أننا بلد مصدرة للغاز، بل وخامس دولة فى العالم ثم نعمل جاهدين على استيراده ونطلبه أحيانًا منحًا من دول أخرى؟! أين الغاز المصرى؟ ومن يستغله لحسابه؟ ومن هم المتواطئون فى إخفاء الحقيقة عن الشعب؟ حتى البترول وكل شركاته لا نعلم عنه شيئًا والحقيقة المؤكدة إننا علينا ديون تقدر بعشرات المليارات للغاز والبترول، من يصدق ذلك؟؟ لقد هزمت ثورات الشعب المصرى وانتفاضاته.. وذهبت دماء شبابه التى سالت أنهارًا لينتصر الفساد ويصبح هو القائد الفعلى للبلاد!! والحكومة المعدلة مشغولة بالإشغالات والعشوائيات ومعاينة الطرق، وتترك أهم أعمالها فى ضرب أوكار الفساد نفسه، حتى فى مواجهتها للإرهاب تعلن تمسكها بسيادة القانون أمام الرصاص والقتل وسفك الدماء! والكثير من الوزراء يعملون بالمكاتب وينتظرون الأوامر والتوجيهات، وهى أصلاً لن تأتيهم والكثير منهم فاقد للمبادرة.. إن هناك محاولات مستمرة من أجل رفع درجة الاحتقان الشعبى ضد الدولة والمؤسسات الوطنية البعيدة عن مستنقع الفساد من أجل تحقيق أهداف مشبوهة، مرتبطة بالخارج والداخل كل هذا يتم والحكومة غير قادرة على إصدار القرار الحاسم والبات وهى تتجه إلى الزمن يحل لها الأزمات، إن ما تعيشه البلاد الآن وغياب دور حقيقى للأحزاب والقوى التى تسمى نفسها سياسية وثورية يحقق للفساد الانتصار الساحق على أحلام الشعب وفى طليعته شبابه حتى المحافظين أصبحوا يعملون فى إزالة الإشغالات وإصدار التصريحات وتلميع أنفسهم إعلاميًا وهم يعيشون فوق براكين غاضبة من الجماهير ولم يحدث أن سمعنا عن إقالة محافظة أو مسئول أو حتى غفير.. فى ظل وطن يعيش فى آلام تفرضها عليه قوى الاستعمار الداخلى والخارجى.. كلمة أخيرة.. لقد انتصر الفساد وهزمت ثورات الشعب بفضل من يملكون القرار ولم يصدره ولن يصدره!

■ رئيس اتحاد أصحاب المعاشات