رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تسويق داعش المستجد!

بعد أربعة أيام من التفجيرات التى استهدفت مطار كابول، وقبل ٤٨ ساعة من الموعد المتفق عليه لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وبينما تسابق الولايات المتحدة الزمن لإجلاء رعاياها وحلفائها، تبنّى تنظيم «داعش- خراسان»، أمس الإثنين، هجومًا صاروخيًا على مطار كابول، بعد ساعات من قيام شبكة «سى إن إن» بعرض حوار مع أحد قادة «داعش المستجد»، أو النسخة المستحدثة من التنظيم الفرعى، التى قد تعلن لاحقًا أنها التنظيم الرئيسى!

فى بيان تداولته عدة حسابات على تطبيق «تليجرام»، قال التنظيم إن «جنود الخلافة» استهدفوا مطار كابول «بستة صواريخ كاتيوشا، وكانت الإصابات محققة». لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مسئول أمريكى أن «أنظمة دفاعية اعترضت خمسة صواريخ»، وأعلن البيت الأبيض عن أن الرئيس الأمريكى اطلع على الهجوم الصاروخى وتم إبلاغه بأن العمليات فى المطار لم تتوقف. وما يعنينا فى ذلك كله هو أن النسخة المستحدثة، أو «داعش المستجد»، استطاعت تنفيذ هجمات، مع كل الاحتياطات أو الإجراءات الاحترازية المفترضة، ما يشير إلى أن التنظيم أعاد تنظيم صفوفه جيدًا فى أفغانستان، بعد أن بدأ يطل برأسه فى مناطق وجوده التقليدية.

قبل ساعات قليلة من هذه المعجنة، ظهرت كلاريسا وارد، كبيرة مراسلى شبكة «سى إن إن»، بغطاء رأس نصفى، مع رجل ملثم، قال إنه قيادى بتنظيم «داعش- خراسان»، وطالب بمناداته بـ«عبدالمنير»، ووجّه انتقادات لحركة «طالبان»، وطمأن الولايات المتحدة بأن التنظيم لا يعتزم القيام بـ«هجمات دولية»، وأن عملياته ستقتصر على «أفغانستان فقط»، من أجل إقامة «دولة خلافة مثل التى أسَّسها أبوبكر البغدادى فى العراق وسوريا»!

فرع «داعش» الأفغانى، انطلق فى ٢٠١٥، بقيادة حافظ سعيد خان، القيادى فى حركة «طالبان باكستان». ومنذ أن تمكنت القوات الخاصة الأفغانية من إلقاء القبض على «أسلم فاروقى»، أمير التنظيم السابق، فى يونيو ٢٠٢٠، قيل إن الذى يقود التنظيم هو «سناء الله» المعروف باسم «الشاب المهاجر»، القيادى السابق فى «شبكة حقانى»، المتحالفة مع حركة «طالبان»، الذى أكدت تقارير أنه لا يزال على تواصل مع هذه الشبكة، وبالتالى مع الحركة!

التسويق، كما أوضحنا فى مقال سابق، هو فنّ البيع. وبحسب تعريف بيتر دراكر، هو خلق الزبون «Create a customer»، ويكون بعرض المنتجات أو الخدمات بصورة تجذب الانتباه. وفى بعض الأحيان، يلجأ المسوِّقون إلى التلفيق: لفّق، يلفّق، تلفيقًا، فهو ملفق، بكسر وتشديد الفاء، ويقال لفَّق الشَّخْصُ الكلامَ أى اختلقه، زخرفه وموَّهه بالباطل.

الحديث عن التسويق والتلفيق، فى المقال السابق، قادتنا إليه يلدا حكيم، مذيعة «بى بى سى»، التى قرأنا أنها وجدت نفسها، فجأة، فى مواجهة سبق صحفى وموقف صعب فى آن، عند رن تليفونها المحمول على الهواء مباشرة، وكان المتصل هو سهيل شاهين المتحدث الرسمى باسم حركة «طالبان». مع أنها كانت قد حاورت «شاهين» نفسه، وجهًا لوجه، فى العاصمة القطرية الدوحة، مقر المكتب السياسى للحركة. واليوم، نجدها فرصة للتأكيد على أن «يلدا» مجرد تلميذة، أو مبتدئة، لو قورنت بـ«كلاريسا وارد»، التى بررت ظهورها بالحجاب والعباءة، بعد سقوط كابول، بأنها سبق أن ارتدت الزى نفسه فى تقارير عديدة قبل سيطرة «طالبان»!

عملت «وارد» مراسلة لـ«إيه بى سى» فى بكين وموسكو. ومن بغداد وبيروت عملت لحساب قناة «فوكس نيوز»، وانضمت لشبكة «سى بى إس»، سنة ٢٠١١، وتم إرسالها إلى سوريا، تحديدًا إلى المناطق التى يسيطر عليها الإرهابيون. وقيل إنها تخفّت فى شخصية سائحة وقضت وقتًا مع «نشطاء المعارضة»، قبل أن يتم اقتيادها معصوبة العينين فى منتصف الليل إلى منزل آمن التقت فيه أفرادًا من «المجموعات المسلحة». ثم كانت «وارد» أول مراسلة تجرى حوارات مع مقاتلين «إرهابيين» أجانب من داخل سوريا، بدأتها باثنين، أحدهما أمريكى والآخر هولندى، كما انفردت بحوارات مع عناصر فى تنظيم «داعش»، و... و.... وفى ٢١ سبتمبر ٢٠١٥ أعلنت شبكة «سى إن إن»، عن انضمام كلاريسا وارد، إلى فريق عملها.

منذ أن وصفت مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، الإعلام بأنه «أكسجين الإرهاب»، لم تتوقف وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية عن إثبات ذلك، واعتادت على تسويق التنظيمات الإرهابية والمبالغة فى تقدير خطرها، أو صناعتها أحيانًا. وعليه، لم يكن غريبًا أو مفاجئًا أن تصدر الخارجية الأمريكية، أمس الإثنين، بيانًا تتعهد فيه الدول التى تحالفت لمحاربة «داعش»، بالعمل على القضاء على التنظيم واستهداف فرعه فى أفغانستان، بالاعتماد «على كل عناصر القوة الوطنية؛ العسكرية والمخابرات والدبلوماسية والاقتصادية وإنفاذ القانون، لضمان هزيمة هذه المنظمة الإرهابية الوحشية». فقط، كان المفاجئ والطريف، أو الظريف، أن ينقل البيان عن تلك الدول أنها «ستقوم بتحديد أعضاء التنظيم وتقديمهم للعدالة»!