رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجبار».. اذهب إليه بكسرك وسيجبر خاطرك «1 - 2»




من أسماء الله الحسنى اسم الله «الجبار»، وهو له دلالة على الرحمة والرقة والعطف واللطف والرأفة والحنين. وقد ورد مرة واحدة فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: «هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ» (الحشر: ٢٣).
وأصل كلمة «الجبار» من كلمة «جبيرة»، التى يستخدمها من كُسِرَت يداه لتصليح الكسر. «الجبار» هو الذى يجبر المنكسرين، هذا الاسم يراد به الحزانى، لمن ظُلِم، لليتامى، لكل من أُهين أو كُسر وهو مظلوم. «الجبار» هو الذى يجبرك عندما تلجأ إليه بكسرِك فهو الذى يُجبِر المنكسرين.
يا من ظُلِمت، يا من تَقَوَّل عليك البعض بكلامٍ وأنتِ مظلوم وبرىء منه، من لك سوى «الجبار»؟ يا يتيم يا من أنهكتك الدنيا، يا أرملة، يا مطلقة يا من تنكر لك الكل حتى جيرانك، من لك سوى «الجبار»؟ يا من شاركت شخصًا ما فى شركة ثم خدعك واستولى على مالك، من لك سوى «الجبار»؟ يا من ظلمها زوجها ظلمًا شديدًا وألحق بها الأذى، من لها سوى «الجبار»؟ اليتامى، الحزانى، كل من ظُلِم فى هذه الدنيا، من لهم سوى «الجبار»؟ لن تلجأ إليه بكسرِك إلا وينصرك لأنه سمى نفسه «الجبار». إذا انكسرت، الجأ إليه وتذلل بين يديه وابكِ له وقل له: «أنا كُسِرت. فلان كَسَرَنى».. هذا الاسم يقصد به للمنكسرين، للحزانى، للضعفاء، للمقهورين.
هناك نوعان من الكسر: كسر للأبدان وكسر للقلوب. وإذا كان الأطباء يجبرون كسر الأبدان فإن الله سبحانه وتعالى يجبر كسر القلوب. بل حتى إن كسر الأبدان يجبره «الجبار»! إذا كُسِرت يداك، فما على الطبيب إلا أنه يعيد العظم المكسور إلى مكانه ثم يضع الجبيرة، ولكن يلتئم العظم بـ«الجبار»، حيث يأمر الخلايا العظمية بالنشاط بعد أن كانت قد سكنت حتى يلتئم الكسر، ثم يأمرها الله بالسكون مجددًا. هذا مثل «الجبار» فى الأبدان، فما بالك بـ«الجبار» فى القلوب؟
من دعاء النبى، صلى الله عليه وسلم: «يا جابر كل كسير». وكان يقول أيضًا: «الضعفاء والخائفون فى كنف الله عز وجل». لذلك يقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «اللهم ارزقنى حب المساكين» لأنهم فى كنف الجبار.
والمثل الشعبى يقول: «جبر الخواطر على الله». الجأ إليه إذا كُسِرت وقل له: «يا رب، اجبر بخاطرى». يا حسرة على ما فات ما عمرك دون أن تعرف الجبار! إذا طلب شخص من أحدٍ ما شيئًا، فيقول له: «عشان خاطرى...» وتلين له كى يلين لك. نحن نفعل هذا الفعل مع البشر، فما بالك بأكرم الأكرمين؟.. تحقق بأوصافك يمدك بأوصافه.
«جابر» أم «جبار»؟
الفرق بينهما هو أن «الجابر» قد يجبرك مرة أو مرتين، ولكن «الجبار» يجبرك كلما لجأت إليه. وقد يسمى شخص بـ«جابر»، ولكن لا أحد يسمى بـ«الجبار» إلا الله سبحانه وتعالى.
من صور جبر الله لك أن يُنسيك الإساءة التى تعرضت لها من أحد الأشخاص مثلًا. بعد هذا، أتلجأ للجبار أم لغيره؟ جرب أن تصلى ركعتين وأنت منكسر للجبار.
الكارثة الحقيقية هى أن تنكسِر ولا تلجأ للجبار! سوف يوسوس لك الشيطان بأنك منافق إذا لجأت للجبار فى حينها، وأن عليك أن تلجأ إليه بعد حل مشكلتك، لأن الشيطان على علم بأنك سوف تشعر بأحلى لحظة عبودية عندما تلجأ إليه منكسرًا وهى منتهى القرب ومنتهى الحنان من الله سبحانه تعالى.
قاعدة يجب أن تعتقد فيها: «إذا انكسرت ولجأت لله، فلن يُرجِعَك». قد يؤخر الله الجبر لحكمة يعلمها، لكنه لن يرجعك.
وفى قصة أم موسى خير مثال، فقد كان فرعون يقتل الذكور من المواليد، وقد وضعت أم موسى سيدنا موسى وأوحى الله لها: «... أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ...» وبعدها قال الله تعالى: «... وَلا تَخَافِى وَلا تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ» (القصص: ٧).
وقد وردت هذه القصة بعد ذكر قصة فرعون وبنى إسرائيل «قضية أُمة»، أى أن الله ذكر قصة سيدة ما كُسِر قلبها بعدها.. كم أن قلبًا مكسورًا مثل هذا غالٍ عند الله! ثم يقول الله تعالى، «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَىْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ...» (القصص: ١٣). يا مكسورين، يا حزانى، يا ضعفاء، يا يتامى، يا أُمة محمد «صلى الله عليه وسلم»، يا أهلنا فى العراق، يا أهلنا فى لبنان، يا أهلنا فى فلسطين: «إذا كنا مكسورين، فليس لنا إلا «الجبار». «... وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ» (القصص: ١٣)، «لن يرجعك الجبار أبدًا».