رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نجم.. يا رفيق الزنزانة


فى يناير 1977 نزلنا ضيوفًا فى سجن ليمان طرة، دخلنا عنبر التأديب كان يتكون من عشرين زنزانة كل منها بداخلها خمسة معتقلين، كان جميعهم من كبار المثقفين والقيادات العمالية، أخذ بعضنا يسبب مشاكل وشغبا لإدارة السجن، والمأمور «صفوت» لم يعجبه ذلك،

حيث كانت تعقد المحاضرات الأدبية والسياسية وقرر نقل ثلاثين معتقلاً إلى سجن الاستئناف، وخسرنا جنة ليمان طرة، تم إيداعنا فى هذا السجن وكان من أسوأ السجون المصرية، كنا فى الدور الثانى والذى يضم المعتقلين السياسيين بجانب المحكوم عليهم بالإعدام، استقبلنا الشاعر «أحمد فؤاد نجم» كنا جميعًا نعرفه من خلال حبسات واعتقالات سابقة، كانت الزنزانة الأولى تضم «محمد سلماوى» وهو المتحدث الرسمى الآن بلجنة الدستور ومعه «حسين عبد الرازق» وهو أيضًا عضو لجنة الدستور وآخرين، أى أن هذه الزنزانة كانت تعلم المستقبل!! كانت زنزانة «نجم» بها عدد من زعماء الطلبة، كانت علاقتى به تستمر منذ الصباح عندما يتم فتح الزنازين وتنتهى عند إغلاقها فى المساء، طلبت من نجم أن يعلمنى ويساعدنى فى كتابة الأشعار، كانت العملة المتداولة فى السجن هى «السجائر» ومنحته سيجارة كى يشرب بها كوب شاى مقابل ما يبذله معى فى كتابة الأشعار، وبعد ثلاثة أيام أعلن رفضه مساعدتى، لأننى لا جدوى منى كى أصبح شاعرًا، رغم ما قدمته من عشرات القصائد واعتبر ما أكتبه هو كلمات سياسية لا علاقة لها بالشعر، حيث أفهمنى أن الشعر له بحور وأنا لا أكتب فى أى بحر منها، وطلبت منه أن يعيد لى «سجائرى» وأنا لا اعترف بالبحور أو الترع!! وفى صباح أحد الأيام أعلنت إدارة السجن عن تنفيذ حكم الإعدام فى أحد المحكومين، تملكنا جميعًا شيء من الخوف والرعب، حيث مرت من أمامنا قافلة الإعدام، حيث كان يتقدمهم «عشماوى» وبدأ احتفال الإعدام بحضور النيابة وطبيب وشيخ، وفى لحظات دخل المحكوم عليه «عماد أبو رقيق» وكان متهما بتفجير قنبلة بمبنى التحرير لحساب القذافى!! وفى لحظات دخل زنزانة الإعدام وهى رقم واحد بالدور الأرضى وفى لحظة خرجت القافلة ومن خلفها نقالة تحمل الجثة المنفذ فيها الحكم، كان المشهد رهيبًا، وعندما فتحت الزنازين علينا كان الصمت يطبق علينا جميعًا، وقبل الظهر ذهبت إلى شاويش حراسة المشنقة ومنحته سيجارة مقابل أن يسمح لى بدخول المشنقة، كان معى الشاعر نجم أخذنا نتطلع إليها كانت أشبه بخشبات «الجون» بملاعب الكرة وتحتها طبلية خشبية وبجانبها ذراع عندما تجذبها تفتح إلى أسفل وبعد دقائق خرجنا ونحن نرى العالم بعيون أخري. فى الصباح التالى ذهبت إليها بعد أن دفعت سيجارة أخرى وأخذ نجم يتطلع إلى المشنقة وهو يضحك بسخرية ومنحها إحدى كلماته «النابية»!! تعلقت بالمشنقة وأخذت أمارس عليها لعبة العقلة وأخذ نجم يعد المرات حتى وصل إلى رقم الخمسين!أخذ نجم يغنى «البدرى مات» بدلاً من «جيفارا مات» وكان هناك عدد من الرفاق المعتقلين يقفون خارج المشنقة أخذوا يرددون من خلفه، كانت هذه اللحظات تلاحقنى واستمرت معى حتى الآن ومازالت لعبة المشنقة أمامى تطاردنى كلما سمعت «نجم» وهو يلقى أشعاره أو أغانى كلماته حيث كان «الشيخ إمام» هو رفيق الغناء، واستمرت علاقاتى مع «نجم» عشرات السنين وقد أتى إلى بورسعيد عدة مرات مع الشيخ إمام وغنوا أمام أبناء المدينة من داخل «بلكونة» حزب التجمع.

■ رئيس اتحاد أصحاب المعاشات