رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسم الله «الهادى».. من اتبع طريقه لم يضل أبدًا


من أسماء الله الحسنى، اسم «الهادى»، ومعناه فى اللغة الذى يدل على طريق الخير برفق، لذلك العرب يطلقون على الدليل «الهادى»، لأنه يدل من يتبعه على الطريق الصحيح برفق. النبى، صلى الله عليه وسلم، أثناء هجرته إلى المدينة هربًا من أذى قريش بصحبة سيدنا أبوبكر الصديق، قابلهما رجل من قبائل العرب يعرف أبوبكر فيسأله عن سيدنا محمد، فيردّ عليه أبوبكر: هذا هاد يهدينى الطريق.
العربى فهم أن النبى دليل يستعين به أبوبكر ليدله على الطريق، وفى اللغة العربية يهدينى الطريق، أى يدلنى على الطريق، فكلمة هداية لا بد أن ترتبط بكلمة طريق، وأن أدلك على الطريق برفق «... وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِى السَّبِيلَ» (الأحزاب: ٤).
الهادى سبحانه وتعالى يهدى كل مخلوق إلى طريق الخير، يهدى الكائنات إلى ما يصلح معيشتها فى الحياة الدنيا، يهدى الطيور، والأسماك، والحيوانات، والنملة فى جحرها، والنحلة فى خليتها، يهدى كل مخلوق إلى وظيفته فى الحياة، الله الهادى للبشر يهديهم إلى طريق الجنة.
هداية الكائنات لوظيفتها فى الحياة تشعرك بعظمة الله: «قَالَ رَبُّنَا الَّذِى أعْطَى كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى» (طـه:٥٠). الله أوجد كل مخلوق وغرس فيه الهداية بالفطرة، ودله على الوسيلة التى يعيش بها، فكل مخلوق معه هداية طبيعية لوظيفته التى خلق من أجلها. خلقه ودله على الطريق.
كثير من الطيور، يهاجر من جنوب إفريقيا مسيرة ١٧ ألف كم ويصل إلى بيروت لا يخطئ درجة واحدة، حتى إن علماء الطيور لم يستطيعوا التوصل إلى سر هذا الأمر، فاعتقدوا أنه ربما أن هذه الطيور تسير بمحاذاة الشمس، فقاموا بمراقبتها فوجدوا أنها تسير أيضًا فى الليل، فقاموا بوضع جهاز لإحدى مجموعات هذه الطيور تقوم بإصدار إشارات كهربائية لرصد إن كان فى المخ بوصلة طبيعية، فالطير لو أخطأ ثلاث درجات فى مسيرته لا بد أنه سيخطئ سيره، فمن الذى هدى هذه الطيور؟ العلماء إلى اليوم عاجزون عن تفسير هذه الظاهرة، وأحيانًا الإعجاز عن الإدراك إدراك، فتدرك عظمة الله.
والقرآن يقول حكاية على لسان موسى عندما واجه فرعون بالأدلة على وجود الخالق: «.. رَبُّنَا الَّذِى أعْطَى كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»، فالذى فعل هذا مع الكائنات الضعيفة على بساطتها كى تعيش وهى أدنى منك مرتبة أيها الإنسان، فبالعقل والمنطق ألن يهديك أنت أكرم مخلوقاته إلى طريق الجنة؟
أحد العلماء متخصص فى علم «القنافذ» يحكى عن مراقبته لقنفذ كان يأكل من ثعبان ميت، كان يراه يتوقف ثم يذهب إلى شجرة يأكل من ورقها ثم يعود ويأكل من الثعبان ويعاود الكرة. وعندما قطع العالم هذه الشجرة مات القنفذ!! من الذى هدى القنفذ أن ورقة الشجرة تعطيه توازن بين لحم الأفعى وبين احتياجات جسمه؟!
مثال آخر: سمك السلمون، يولد فى برك ومستنقعات بجانب مصبات الأنهار فى أمريكا الشمالية، يبدأ السلمون الصغير ينمو، والأم تقوم على رعايته لمدة سنة، حتى إذا بلغ عامه الأول تموت الأم، ويبدأ هذا السمك الصغير بالخروج من الجدول ثم ينطلق بعد ذلك فى رحلة طويلة إلى شواطئ أوروبا حتى سواحل فرنسا فى رحلة تصل إلى ٣٢٠٠ كم. يخرج من نهر إلى نهر، يمر بمرتفعات، يسير باتجاه التيار ويصل إلى نفس المكان الذى ولدت فيه أمه، لأن مورد رزقه هناك، لو ضل درجة واحدة ينتهى، يُقال إنه أقوى مهاجر فى الكون، وأحيانًا تكون رحلة العودة فى عكس التيار فيبدأ بالقفز ثلاثة أو أربعة أمتار لكى يقاوم الشلالات، حتى يعود إلى مكانه الذى ولد فيه فيضع بيضه فيربيه لمدة سنة وتتكرر العملية، كيف يتم هذا؟!
ما الطريقة التى يقوم بها النحل لاستخراج العسل؟ هل تعلمون أن هناك نحلًا اسمه النحل المستكشف؟! وظيفته اكتشاف أماكن الرحيق، فيقطع مسافات طويلة، ويقوم بإحضار عينات من هذا الرحيق إلى خليته، يحفظ المسافة جيدًا، ودرجة حركة الشمس، ثم يعود إلى الخلية ليتذوق النحل طعم هذه العينة، ثم يقوم بحركات معينة يُعَرِف بها بقية النحل الجهة التى جاء منها بهذ الرحيق، فهل هناك تفسير لهذا؟ «رَبُّنَا الَّذِى أعْطَى كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى»، «وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ» (الأنعام: ٩١). فالذى هدى الكائنات لمعيشتها ألن يهديك أنت؟ فالهادى مثلما هدى هؤلاء هداك أنت والوسائل كثيرة.
هداية إيمان: يدلك على طريقه.. هداية توفيق لمزيد من الإيمان.. «وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً...» (مريم: ٧٦)، «... إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً» (الكهف: ١٣).
الفاتحة كل هدفها الدعاء بالهداية.. ليست هداية دين فقط لا هداية حياة.. الله لا يُحرم أحدًا من هدايته.. حتى لا تقول لم يشاء الله.. يرسل رسائله للهداية لكل البشر منهم من يستجيب ومنهم من يغفل «سرحان» ومنهم من يرفض.. الهداية تبدأ منه إليك.. الفطرة.. الرسائل والإشارات الربانية.. ثم منك إليه.. ثم يدفعك «وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ».
صلاة الاستخارة ليهديك.. عمل الخير ليهديك.. العبادة والتقوى ليهديك «وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أمْرِهِ يُسْرًا».
اسم الله الهادى يدعوك للتعلق بالله ليهديك دنيا وآخرة.. هذا الاسم يدخل بك إلى منزلة العبودية.. اعبده ليهديك «إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم». تخيل لو عشت بهذا الاسم.. اسم الله الهادى.. من كثرة تعلقك وإحساسك به.. ستعبدالله به كأنك تراه.. والذكر هو الذى سيصل بك إلى الإحسان.