رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«المجيب».. إذا ألهمك الدعاء فاعلم أنه يريد أن يعطيك




من أسماء الله الحسنى، اسم الله «المجيب»، ومعناه الذى يقابل مسألة السائلين بالإجابة والعطاء، وقد ورد فى القرآن الكريم فى قوله تعالى: «وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّى قَرِيبٌ مُجِيبٌ» (هود: ٦١)، وبصيغة الجمع فى قوله تعالى: «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ» (الصافات: ٧٥).
ولولا أن الله المجيب يريد أن يستجيب لك لما أنطق لسانك، إذا نطق اللسان بالدعاء فاعلم أن المجيب، سبحانه وتعالى، يريد أن يعطيك، ومن هنا معنى آخر للمجيب وهو الذى يقذف فى قلوب الداعين وألسنتهم الدعاء، الأولى يقابل طلبك بالإجابة، والثانية هو الذى قذف فى قلبك. المعنى الأول القريب السهل تدعى يستجب لك، والمعنى الثانى الأجمل هو الذى يقذف فى قلبك: ادعونى.
لذلك سيدنا عمر بن الخطاب كان يقول: «أنا لا أحمل هم الإجابة ولكنى أحمل هم الدعاء، فمتى أُلهمت الدعاء عرفت أن الإجابة معه»، ويقول النبى، صلى الله عليه وسلم: «من فُتح له باب الدعاء فُتح له باب من أبواب الرحمة»، فالمعنى الأول الذى يستجيب دعاء السائلين، والمعنى الأجمل الذى يقذف فى قلوب السائلين وألسنتهم أن يلجأوا إليه بالدعاء فيستجيب لهم، فهو الذى ألهم وهو الذى يستجيب.
ووعود الله لا بد وأن تتحقق «إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا»، «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا»، «وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا»، وإذا كان قد أمرك بالدعاء، فكن على يقين فى عطائه وإجابته لك: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِى وَلْيُؤْمِنُوا بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ».
والنبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: « ليس شىء أكرم على الله من الدعاء»، «من لم يسأل الله يغضب عليه»، «لا تعجزوا فى الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد».. نعم والله لا يهلك مع الدعاء أحد، والله تعالى يقول فى الحديث القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى».. ما ظنك به وهو القائل «وقال ربكم ادعونى استجب لكم».
ويقول أيضًا: «إن الله حيى كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين»، من الصفر أى خاليتين.. كثير الحياء ولا تسأل كيف حياء يليق بجلاله.. وهو الذى يعطى دون أن يسأل، فكيف إذا سأل.. هل بعد هذه الأحاديث تشك أن الله لا يستجيب الدعاء.. الدعوات المستحيلة كلها فى القرآن ليعلمك الله أن ترفع سقف دعائك.. لا مستحيل مع قدرة الله.
وعن أبى هريرة، رضى الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببنى أنا وأمى إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: اللهم حبب عبيدك هذا- يعنى أبا هريرة وأمه- إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين، فما خلق مؤمن يسمع بى ولا يرانى إلا أحبنى.
تذكر كم استجاب الله لدعائك فى الماضى.. لم يخذلك، وأكرمك فى آلاف الدعوات واستجاب لغيرك كثيرًا ليزداد يقينك. «هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ» (مريم: ٣٨)
فعندما رأى زكريا ما عند مريم من رزق الله الذى رَزَقها، وفضله الذى آتاها من غير واسطة أو سبب، فكان يرزقها ثمرة الصيف فى الشتاء وثمرة الشتاء فى الصيف، طمع بالولد، مع كبر سنه، على الرغم من كون زوجته عاقرًا، فرجا أن يرزقه الله منها الولد، فأجابه الله سؤاله، وأعطاه الولد الذى كان يمنى نفسه أن يرزقه الله به.
تذكر بينك وبين نفسك الدعوات التى استجابها الله لك، حتى تخذل الشيطان ويقوى يقينك، إذا أردت أن يستجيب الله دعاءك، اجمع أربعة منازل روحية ربانية عند الدعاء، وهى: منزلة اليقين: واثق ومتأكد أن الله وعد باستجابة الدعاء، وهو لا يخلف وعده أبدًا، «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، «إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ»، «وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ للَّهِ قِيلًا». ثق إن خزائنة ملأى وأنه كريم، ثق أنه ما ألهمك بالدعاء، إلا وهو يريد أن يستجيب لك.. فإنه سبحانه اسمه المجيب.. مجيب قبل أن يسأل وقبل أن يخلق الخلق.. إجابة الدعاء منه إليك وليس منك إليه.. سبحان الله أفلا يجيبك بعد سؤالك وقد ألهمك الدعاء قبل سؤالك.
ثانى المنازل: منزله التوبة: ادخل على الله تائبًا مستغفرًا يقبلك ويفتح لك أبواب عطائه، ثالثًا: منزله الخشوع: انكسار القلب والتذلل لله.. اذهب إليه بضعفك يمدك بقوته.. قل له: يا غنى مَن للفقير إلا أنت.. «أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ». النبى صلى الله يقول: «من جمع الله عليه قلبه فى الدعاء لم يرده».. أحيانًا يلهمك دعاءً لا تعرف تدعو به بعد ذلك.. إذا خشعت ادع فورًا.. كلما تذللت له أكثر كانت الإجابة أقرب.
رابع المنازل: منزلة الإخلاص: أن يكون طلبك منه وحده.. متوجه له وحده.. تعلم أن طلبك لا يملكه أحد إلا هو.. وإن مشكلتك لن يحلها إلا هو، وأن أمنيتك لن يحققها إلا هو.. هل تشعر أن قلبك معه وحده أم مع غيره.. قلبك خالص له وحده.. ركز وأنت تدعو أن تكون خالصًا فى توجهك وطلبك لله وحده، والبشر جميعًا أسباب وهو يحركهم بأمره كيف يشاء.
ماذا لو لم يستجب لى الله؟
٨٠ فى المائة من دعائك يستجاب كما طلبت، والباقى بأشكال مختلفة.. ما دعوت به أصلًا شر لك.. دعوت بالأقل وهو محضر لك الأفضل.. التوقيت الأفضل ليس الآن.. يعقوب لو عاد له يوسف أول ما ضاع لما صار يوسف.
أسماء الله الحسنى.. طريق الإحساس العميق بالله.. طريقك للإحسان.. تخيل لو أنك عشت باسم الله المجيب.. من كثرة تعلقك وإحساسك به تعبد الله به كأنك تراه.
إذا اندمج قلبك فى الذكر، وكان المقصود هو الله، أنه مستحق للعبادة وليس للطلب، زاد حبك مع الذكر وتحرك الشوق لله وحده بإخلاص، قد تجد فجأة أن الله قذف فى قلبك الطلب فادع فورًا، فهذا وارد من الله إليك، فقد يكون قد رضى عنك لأنك عرفت أنه مستحق للعبادة.. تُفتح لك أبواب الإجابة، كأنه يقول لك: لبيك عبدى.. فلا تتردد: ادع الآن وارفع يديك وانزل على ركبتيك ولعل هذا معنى.. «مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِى عَنْ مَسْأَلَتِى أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِى السَّائلينَ».