رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الوهاب».. يعطى بلا مقابل ويمنح بلا عوض


من أسماء الله الحسنى اسم الله «الوهاب»، وهو من الأسماء التى تدل على محبة الله لك، فالله يخبرك بأنه يحبك، ومعناه: يعطى بلا مقابل، ويهدى من يحب بلا عوض.. شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه، فهو مولى الجميل ودائم الإحسان وواسع المواهب، لا يستغنى مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين.
ما معنى الهبة؟
فى الفقه والشريعة والقانون: عطاء بلا مقابل هو تمليك الشىء بلا ثمن، بلا عوض، بلا مقابل، بلا تعويض، فتؤجر عليه.. مثال: إذا أعطى لك شخص ساعة وقال وهبتها لك الهبة، لكن ثمنها ٢٠٠ جنيه، إذن هذه ليست هبة ولكن عقد بيع.. مثال آخر: إذا عملت لدى شخص لمدة ٣٠ يومًا، وقال: سأهبك ١٠٠٠ جنيه، هذا عقد عمل وليس هبة، فالهبة أخذ بلا مقابل.
والوهاب هو الذى يهدى عباده الهدايا الغالية النادرة بلا مقابل ينتظره، بلا شرط يطلبه، بلا عوض له، بلا شىء قدموه من قبل سوى صفاتهم الجميلة، فالهدية هبة من الوهاب، وهو يهديك حبًا وودًا.. مثال: شاب يجلس فى حجرته ووالده يدخل عليه ويهديه مفتاح سيارة جديدة، فهذه لها فرحة أخرى غير المصروف الذى اعتاد أن يأخذه من أبيه، ولله المثل الأعلى.
ما الفرق بين الواهب والوهاب وإنك أنت الوهاب؟
الواهب: يعطى هدية واحدة.. الوهاب: يعطى هدايا غالية متعددة الأشكال والأنواع.. إنك أنت الوهاب: إذا كانت الهدايا عظيمة لا تُقدر ولا أحد غير الله يستطيع أن يعطيها «.. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ» (ص: من الآية ٣٥).
لا يمكن لأحد من البشر أن يكون وهابًا، لكن يمكن أن يكون واهبًا، فالهبة تعطى مرة واحدة أو مرتين، لكن مع تعدد أشكال وأنواع الهدايا يكون وهابًا، ولا أحد من البشر يستطيع أن يكون وهابًا، بل إنه فى الحقيقة لا أحد يملك شيئًا، وهو سبحانه مالك كل شىء.
قال تعالى: «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ..» (الحديد: من الآية ٧).. فلا يوجد وهاب غير الله، وكل هذا من توفيق الوهاب، إذا وهبك أحد من البشر من الجائز أن يضرك، مثل أب يعطى ابنه سيارة، فتتسبب فى حادث يموت فيه، لكن الوهاب يهديك لمصلحتك ومنفعتك وبما يهديك ويقوّمك.
يقدم الناس الهدايا فى المناسبات منتظرين كيفية الرد على هداياهم، أما الله، تبارك وتعالى، فغنى، فإنه يعطى لأنه يحبك «الوهاب الذى يهب عباده ويعطيهم بلا مقابل حبًا وودًا»، فهيا نتذكر سويًا آخر هدية أهداها الله لك: «أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ» (ص: ٩).
ويقول تبارك وتعالى فى الحديث القدسى: «يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد- قلب محمد صلى الله عليه وسلم- ما زاد ذلك فى ملكى شيئًا، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكى شيئًا».
ما الفرق بين الوهاب والرزاق؟
الرزاق ما جرى عليك من رزق يترتب على سعى «.. فَامْشُوا فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ..» (الملك: من الآية ١٥)، أما الوهاب.. بلا سعى لم تفعل شيئًا كى تستحقه (اصطفاء) «وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَار..» (القصص: من الآية ٦٨).
الرزاق.. السعى قبل الرزق، أما الوهاب.. السعى بعد الرزق، الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق من شمس وقمر وماء وهواء ونور ومرتب شهرى ومصروفات أولادك، أما الوهاب.. فأنت فى انتظار مفاجأة جميلة (الهدية).
الرزاق.. أنت تعتاد على الرزق فتنسى الرزاق، لأن طبيعة النفس البشرية تعتاد على الأرزاق فلا تشكر عليها، أما الوهاب، لأن الله يريد أن يحببك ويقربك فيريك، وهذا نوع آخر من الرزق على شكل هدية ليظل الحب دائمًا فى القلب.
هناك العديد من أمثلة الهدايا فى حياتنا:
عُمرة لم تكن ترتب لها.. حجة كنت تتوق لها وظننت أنها لن تأتى أبدًا ثم أتت لك التأشيرة وجواز السفر.. الأولاد هبة، دائمًا كلمة الأولاد مرتبطة بالهبة «.. وَهَبْنَا..» (مريم: من الآية ٤٩)... زوجتك هبة.. صليت وفجأة أثناء صلاتك قذف فى قلبك الخشوع وبكيت ودعيت وتأثرت.. هذه هبة منه.. كنت تحتاج إلى مبلغ من المال، وكان من الصعب الحصول عليه من الرزق العادى، وفجأة ودون مقدمات وجدته لديك.. هذه أيضًا هبة من الخالق.
ما الموهبة؟ هل تذكر موهبتك التى أعطاها لك؟ فهناك من يرسم، من يكتب الشعر، من هو متميز فى الحسابات، من يتقن الكلام، من وهب له ابتسامة يجذب بها القلوب.. هذه هبة، وهى سميت موهبة مستخرجة من كلمة هبة، لأنها تُولد معك وتموت بها، فكل الهبات الأخرى لم تسم موهبة لأنها تذهب وتأتى، لكن الموهبة مخلوقة فى الجينات.
ما الغرض من الهدايا فى الدنيا؟
«يحبك» بغرض الحب، لأن صفاتك جميلة تستحق أن أقترب منك.. أو «يقربك» لأنك بعيد، وأنا أحبك وأحتاج أن تقترب منى، ولذا أشد انتباهك بالهدية.
وليلة القدر هبة مخصوصة من الله، فهى خير من ألف شهر.. وأسوأ شىء أن يهديك الله من الهدايا الكثيرة، وأنت لا تلتفت إلى هداياه وعطاياه، لا تشكره على ذلك، وهذا من نكران الجميل، وهى أسوأ صفة.. مثال: شخص أعطاك ساعة هدية، ولم ترتدها، ثم وجدك ترتدى ساعة شخص آخر! إذا ما أهملت شكر هداياه.. لن يهديك مرة أخرى لأنك لا تستحق.
الإنسان من جسد وروح.. الجسد يحيط بالروح.. الروح داخل الجسد.. الجسد جسم كثيف غليظ والروح شفافة رقيقة.. لكنها محبوسة داخل الجسد.. كلما ترتقى بالذكر والتأمل.. يخف إمساك الجسد للروح، فترتقى فيكشف لها أكثر.. والذكر سيصل بك إلى الإحسان.. وتعبد الله كأنك تراه.