رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ملوك النص.. لماذا استحق كرواتيا الوصول إلى نهائي المونديال؟

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

نجح المنتخب الكرواتى فى الإطاحة بمنتخب إنجلترا فى الدور قبل النهائى للمونديال، ليواجه فرنسا فى النهائى المرتقب، الأحد المقبل، وهو نجاح اعتبره كثيرون مفاجأة من العيار الثقيل.
فهل كان الفريق الكرواتى محظوظًا أم مفاجأة هذه البطولة؟، وما فرص تتويجه باللقب أمام فرنسا؟.. تساؤلات كثيرة تُجيب عنها «الدستور» فى التقرير التالى.


لوكا وراكى «كلمة السر» فى الاستحواذ والتطوير وضبط إيقاع الوسط وامتلاك الكرة وقتًا طويلًا
فى ريال مدريد يُعد لوكا مودريتش أفضل لاعبى الوسط وأكثرهم عطاءً وفاعلية، وكذلك الأمر مع رفيقه بالمنتخب الكرواتى إيفان راكيتيتش، الذى يعد من أهم العناصر فى وسط برشلونة الإسبانى.
فعندما يكون فى ملعبك لاعبان من الأكثر تأثيرًا فى خط وسط أهم ناديين بالعالم (ريال مدريد وبرشلونة) فأنت أمام فريق غير عادى، ومن ثم فإن الوصول إلى مراحل متقدمة فى المونديال لن يكون أمرًا مفاجئًا، خاصة إذا كان من يلعب إلى جوارهما نجوم كبار يلعبون فى أندية ذات حجم ثقيل، وخلفهما مدافعون كبار يلعبون فى أندية مثل ليفربول وأتلتيكو مدريد.
إذن كان الجميع على موعد مع تشكيلة مرعبة من البداية للمنتخب الكرواتى، وأمام لاعبين ذوى تأثير وثقل كبير، يجعل الفوز على منتخبين بحجم الأرجنتين وإنجلترا أمرًا عاديًا، بل الطبيعى فى الأساس أن يتفوق «وسط» يضم راكى ولوكا وبيرسيتش وريبتش، على «وسط» أرجنتينى يضم بانيجا وبيريز وبافون وميزا، أو «وسط» إنجليزى يضم هيندرسون ولينجار وديلى آلى.
لماذا يكثر الحديث عن الوسط بالتحديد؟.. ذلك لأن الأدوار التى تقوم بها هذه التركيبة فى الوسط غير عادية، ولا توجد مثيلتها فى البطولة، وهذا ما تحدثنا عنه فى «الدستور» قبل مواجهة إنجلترا، عن جماعية هذه المجموعة من اللاعبين وقدرتهم على خلق صعوبات كثيرة أمام أى فريق.
«لوكا» و«راكى» نجمان يمتلكان مؤهلات غير عادية، لدى كل منهما القدرة على امتلاك الكرة وقتًا طويلًا والاحتفاظ بها تحت الضغط، وهذه ميزة، فعندما يمتلك ثنائى الوسط الكرة فإن الاستحواذ والسيطرة على المباراة بيدك سيكون حتميًا.
هما يمنحان الفريق القدرة على امتلاك كل شىء، ثم عندما تذهب الكرة إلى الأمام ستجدهما أيضًا الأقدر على تطوير الأداء وخلق فرص التهديف، لأنهما صانعا ألعاب بارعان فى الأساس، وأمام مناطق الخصم هما خطر على أى مرمى بفعل تسديداتهما التى تُخيف أى خصم.
يمنح اللاعبان الفريق فرصة الاستحواذ فى المرحلة الأولى، ويقومان بالتطوير فى المرحلة الثانية، وعند افتقاد الكرة يضبطان إيقاع الوسط، ويتحكمان فى شكل الضغط، وإذا أردت مطاردة الخصم مبكرًا ستجدهما أول لاعبين خلف المهاجم الصريح أو على نفس الخط، وعندما تتبدل فلسفة الضغط يتواجدان أمام خط الدفاع لتحقيق العمق الدفاعى.
ربما تكون هذه أدوار تكتيكية يخطط لها المدير الفنى للفريق، زلاتكو داليتش، وينفذاها وفق تعليماته، لكن إجادتهما تتطلب أولًا مجهودًا غير عادى، وكفاءة عالية جدًا فيما يتعلق بالمهارات المتعددة التى تحتاج الابتكار عندما تهاجم، والقوة البدنية والذكاء عندما تدافع.
ذكاؤهما رأسمالهما الأول، يُبدعان فى قراءة الخصم، كما يتقدمان ويدخلان مناطق الخصوم فى التوقيت المثالى لتحقيق الزيادة العددية وصناعة الفارق، تجدهما أيضًا داخل مناطقهما الدفاعية فى أصعب اللحظات لإفساد الهجمات، وهنا تبرز أدوارهما كمتحكم رئيسى فى كل شىء يحدث لهذا الفريق، لذلك فإن المدير الفنى للمنتخب الكرواتى محظوظ لامتلاكه أفضل ثنائى وسط فى العالم بتشكيلة واحدة.
فى مواجهة إنجلترا، ظهر الفريق الإنجليزى فى قمة الضعف، لم يعرف فى أى فترة من المباراة الطريق إلى خطف الاستحواذ، فقط لأن كرواتيا كانت متأخرة فى النتيجة، والسيطرة على الكرة كانت وفق رغبة لوكا وراكى، وعندما يرغبان فى ذلك فأنت لا تستطيع أبدًا أن تكون الطرف القادر على الاستحواذ منهما، إلا إذا امتلكت فريقًا مثاليًا فى كل الخطوط.

بيرسيتش وريبتش.. الأجنحة المثالية تصنع الفارق
يتميز الفريق الكرواتى بامتلاكه جناحين مثاليين، هما بيرسيتش، نجم إنتر ميلان الإيطالى، الذى تدور حوله معارك ما زالت مستمرة بين أكبر الأندية فى إنجلترا وإسبانيا، وربما نراه فى وقت قريب مع أحد تلك الأندية، وريبتش الذى لن يستمر كثيرًا فى الدورى الألمانى أيضًا.
تحدثنا كثيرًا عن قوة لوكا وراكى غير الطبيعية، لكنه لولا وجود لاعبين نموذجين فى مركز الجناح إلى جوارهما ما تمكنا من القيام بتلك المهام الكبيرة التى يؤديانها.
لماذا تعتبر أدوار بيرسيتش وريبتش مثالية؟
لأن إبداعهما فى المناطق الأمامية، وقدرتهما على صناعة فرص التهديف طوال الوقت، لا تمنعهما أبدًا من العودة إلى طرفى الملعب أمام ظهيرى الجانب بشكل دائم ومستمر، وتقلل فرص حصول الخصم على أى مساحة بأطراف الملعب.
سرعة غير عادية يمتلكها كلا اللاعبين، وفى الحلول الفردية والمراوغات، هما رائعان، ولما تُتاح شبه مساحة ستجد تسديدات صاروخية، وفى الكرات العرضية بارعان عندما يقومان بإرسالها، وذكيان للغاية فى اختيار توقيت دخول منطقة الخصم لتحويلها إلى المرمى إذا كانت الكرة قادمة من الجهة الأخرى. تلك المواصفات تجعلك أمام لاعب جناح متكامل يؤدى كل الأدوار المطلوبة منه، وعندما يجد دعمًا من ثنائى وسط رهيب، مثل لوكا وراكى، فمن المؤكد أنها سيتألقان بهذا الشكل الرائع، ويقدمان هذا الدور الاستثنائى، لذلك لا عجب أن يفوق سعر بيرسيتش الـ١٢٠ مليون يورو، وأن يظل مانشستر يونايتد متمسكًا بحلم ضم هذا الجناح الرائع مهما ارتفع سعره.

مانذوكيتش مهاجم متعدد الأدوار.. وسوباسيتش حارس خارق
من أهم العوامل التى منحت الفريق الكرواتى هذا التفوق الكبير خلال مشوار البطولة، هو امتلاك الفريق مهاجمًا رائعًا بحجم مانذوكيتش، نجم يوفنتوس الإيطالى الأول.
لعب مانذوكيتش دورًا رئيسيًا وبارزًا فيما يقدمه الفريق بفضل تعدد أدواره، واستخدامه فى أكثر من مركز بحسب المطلوب من المباراة، فعندما يبحث «داليتش» عن كثافة عددية بوسط الملعب يعتمد عليه فى مركز المهاجم الصريح والإبقاء على كراماريتش بديلًا، على أن يزيد عدد لاعبى الوسط بالدفع بـ«بروزفيتش».
أما حين لا يكون الخصم بالقوة الكبيرة، فيلعب مانذوكيتش فى مركز الجناح، ويكون كراماريتش هو المهاجم الصريح، وهنا يستفيد المدرب من لاعب اليوفنتوس بالقيام بأكثر من دور، فهو يجيد دور صناعة اللعب عبر مهارات فردية وسرعات كبيرة على الطرف، عوضًا عن أنه يقتحم منطقة الجزاء، ويتحول إلى رأس حربة صريح فى أوقات كثيرة جدًا بما يحول الشكل العددى إلى ٤٤٢ بدلًا من ٤٢٣١، ويكون قويًا فى صراعاته البدنية عندما يبتعد عن مناطق الجزاء، وفعالًا لأقصى درجة بمناطق الخطورة، ويعرف جيدًا كيف يستغل أنصاف الفرص المتاحة، لذلك ظل مانذوكيتش اللاعب الأفضل فى تشكيلة يوفنتوس بالسنوات الأخيرة، ولعب دورًا مهمًا فى وصول منتخب بلاده إلى هذه المحطة، وربما تستمر عملية الدفع به كمهاجم صريح أمام فرنسا بالمباراة النهائية، لأن المدير الفنى سيكون فى حاجة للاعتماد على بروزفيتش كلاعب وسط ثالث مع لوكا وراكى. أيضًا «سوباسيتش»، حارس مرمى المنتخب الكرواتى، كان أحد أهم العوامل التى وصلت بالفريق إلى هذه المحطة، فشتان الفارق بين حارس مثل كابايرو وما فعله بمنتخب بلاده الأرجنتين، وما يمنحه حارس، مثل سوباسيتش من أمان كبير للاعبيه.
كان سوباسيتش من البداية رائعًا، ولما تعقدت الأمور فى الدور الثانى أمام الدنمارك خرج كأفضل لاعبى المباراة عندما تصدى لثلاث ضربات جزاء منحت الفريق التفوق والعبور إلى الدور ربع النهائى أمام روسيا، وتكرر المشهد ذاته عندما كان الحارس واثقًا من نفسه، وكرر فعلته ليمنح فريقه عبورًا تاريخيًا، ويستمر معه حتى نهائى البطولة. عندما يكون لديك هذا الوسط الرائع، والأطراف المثالية، والمهاجم الذى يشهد الجميع ببراعته، وحارس هو الأبرز فى البطولة، وقبلهم جميعًا مدرب يدرس الخصوم، وبحسب قوتهم يدخل المواجهات، ويُجرى تغييرات مثالية، فهذا يعطيك مؤشرًا بأن الفريق الكرواتى تركيبة وحالة نموذجية، ويستحق الوصول إلى ما وصل إليه رغم ما عاناه طوال مشوار البطولة حتى وصل إلى هذه المرحلة.