رغم امتلاكها 56 مستندًا رسميًا.. لماذا لم يُقدم محامي الدولة ما يثبت سعودية "تيران وصنافير"؟
حين أُعلن عن توقيع مصر إتفاقية ترسيم حدود جديدة مع الجانب السعودي بشأن جزيرتي تيران وصنافير، كانت الحكومة هي أول من وقف أمام الغضب الشعبي الذي تأجج سريعًا بدعوى التفريط في الأرض، بل أنها أعلنت أكثر من مرة امتلاكها لكل ما يُثبت سعودية الجزيرتين سواء من مستندات رسمية أو خرائط جغرافية.
لكن حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا، الذي صدر أمس الإثنين، كان له رأيًا مخالفًأ، وحمل مفاجأة لم تكن متوقعة، وهي أن الحكومة المصرية لم تقدم ثمة وثيقة تثبت امتلاك السعودية للجزيرتين، وهو ما أكده المستشار أحمد الشاذلي، رئيس المحكمة الإدارية العليا.
إذ قال القاضي، في تصريحات له إن المحكمة استندت في حكمها إلى المستندات والوثائق المقدمة من الطرفين "مدعين وحكومة" وانتهت إلى أن الحكومة لم تقدم أي مستندات تدعم طلبها بوقف الحكم وإلغائه.
وأشار إلى أن المحكمة دققت على مدار 180 يومًا و6 جلسات في جميع الأوراق والوثائق المقدمة من المدعين وانتهت إلى حكمها بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، وهو ما آثار استغراب الإعلامي "عمرو أديب" خلال حلقة برنامجه أمس، إذ أكد أن حيثيات الحكم تقول أن الحكومة لم تقد أي مستندات.
وبالرغم من ذلك فإن قال المستشار رفيق شريف، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، قال في مداخلة هاتفية له إن الهيئة تقدمت خلال نظر دعوى بطلان الإتفاقية، بمستندات لمراسلات بين وزيري خارجية مصر والمملكة العربية السعودية تؤكد أن الجزيرتين سعوديتين.
وما يثير الاستغراب، أنه منذ توقيع إتفاقية ترسيم الحدود، ودار صراع مستندات محتدم بين الحكومة المؤيدة لسعودية الجزيرتين، وهيئة المحامين الرافضة لها، فقد سبق وأصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، بيانًا في إبريل 2016 أكدت فيه أن لجنة ترسيم الحدود استندت في الإتفاقية على عدد من الوقائع والمستندات التي أدت في النهاية إلى إعادة الجزيرتين إلى السيادة السعودية.
وحينما قام بعض المحامين برفع دعوى قضائية في 10 أبريل ضد الحكومة، أعلنت هيئة قضايا الدولة (محامي الحكومة) أنها تملك مستندات تدعم صحة موقف الحكومة بإن الجزيرتين سعوديتين.
وفي أول حكم أصدرته محكمة القضاء الإداري والذي قضى ببطلان توقيع الإتفاقية، صدحت الحكومة من جديد بإنها ستتقدم بكل الوثائق التي تملكها لبيان سلامة وقوة أسانيدها.
وسبق وأعلن نائب قضايا الدولة أن الحكومة تمتلك 56 حافظة مستند تثبت أن الجزيرتين سعودتين، وقامت بتقديمها إلى المحكمة، بدعوى أن مصر كانت تضع يدها على الأرض بمجرد أمانة، وأن مجلس الوزراء قرر اعادة الجزر إلى السعودية، وهو ما تثبته الخرائط والمستندات.
فهل تقدمت الحكومة بمستندات للمحكمة بالفعل؟ أم أن مستنداتها لم ترق إلى حد الدليل الكافي على سعودية الجزيرتين؟.. هو ما أجاب عنه خبراء القانون في تصريحات خاصة لـ"الدستور" خلال السطور التالية.
"وثائق الحكومة كأن لم تكن"
يقول الدكتور أحمد مهران، مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن محامي الدولة ملزم بتقديم مستندات تثبت صحة إدعاء الحكومة بملكية السعودية للجزيرتين، كذلك فإن هيئة المحامين المدعين ملزمة بتقديم ما يثبت صحة كلامها إعمالًا بالقاعدة الفقهية البينة على من أدعى.
ويشير إلى أن الخصوم استطاعوا تقديم وثائق مضبوطة على صحة إدعائهم بمصرية الجزيرتين، لكن المستندات التي قدمتها هيئة قضايا الدولة لم تشمل على سند أو دليل بسعودية الجزيرتين، ما صب في مصلحة المدعين.
ويروى "مهران" واقعة حدثت في وجوده بإحدى الجلسات، بإن محامي الدولة قدم خريطة كان يعتقد أنها دليلًا على ملكية السعودية للجزيرتين، لكنها حينما طُرحت وتم مناقشتها تبين أن المكتوب عليها يؤكد أن تيران وصنافير مصريتان وهو مستند بالغ الأهمية أربك محامي الدولة وقتها.
ويوضح أن ذلك يثبت أن المستندات غير كافية لتشكل دليل قوي على إدعاء الحكومة، وبالتالي اعتبرتها المحكمة كأن لم تكن في الحثيثات، مشيرًا إلى أن هذه المستندات لا تُشكل دليلًا ماديًا من المكن أن تستند إليه المحكمة في حكمها.
"مستدات غير مؤثرة"
ويرجع الدكتور شوقي السيد، الخبير القانوني، هذا التضارب بين حثيثات المحكمة وتصريحات محامي الحكومة، إلى أن القاضي بعد المطالعة على كل ما قدم من مستندات للأطراف المختلفة، وجد أن مستندات الحكومة غير مؤثرة في الدعوة ولم تثبت ملكية السعودية للجزيرتين.
ويضيف، أن السيادة على الجزر من الممكن أن يُختلف عليها بين العامة، لكن الملكية لا يتم الحكم فيها إلا بالمستندات، وهو ما يعني أن ما قدمته الحكومة من وثائق وخرائط لم ترق إلى الحكم، ولم تقنع هيئة المحكمة.