رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"السيناريو الأسود".. ماذا لو فشل "الضباط الأحرار"؟!.. إعدام عبدالناصر وعزل قيادات الجيش أبرز التوقعات.. والباشوات يحتكرون الثروة.. والاستعمار يعربد في أفريقيا

جريدة الدستور

الواحدة بعد منتصف الليل، بدأ الضباط بالحراك خرج كل منهم بحسب الموعد المحدد سلفًا، لتنفيذ مخططهم بالسيطرة على الهيئات الحكومية والإذاعة، كان الملك وقتها يقيم بالإسكندرية، إذ يستعد رجال الوزارة الذين يسعون لأداء قسم الحكومة الجديدة برئاسة نجيب الهلالي.

لم ينتبه الضباط الأحرار حينها إلى رصد تحركاتهم، بعد أن نما لعلم وزير الدفاع بنيتهم السيطرة علي مقاليد الحكم، والإطاحة بالملك وحاشيته.

قبل الموعد بيوم كامل، أصدر وزير الدفاع أوامره إلى قيادة الجيش بإخلاء مواقعهم وإلقاء القبض علي الضباط المتمردين، وإيداعهم أحد المعتقلات الحصينة.

في تمام السابعة صباح اليوم التالي، خرج صوت وزير الدفاع من الإذاعة ليقرأ البيان التالي: إن "مصر اجتازت فترة عصيبة ليلة البارحة، إذ حاول مجموعة من المتمردين العسكريين العبث بأمن المصريين بالاستيلاء على السلطة، لولا يقظة الشرفاء في الجيش، الذين تمكنوا من إحباط المخطط الخبيث.. حفظ الله مصر وملكها من كل سوء".

لم تكن السطور السابقة سوي سيناريو تخيلي حاولنا من خلاله طرح فرضية لما كان سيحدث إذا فشلت حركة الضباط الأحرار، فيما عرف بعد ذلك بثورة 23 يوليو التي يحل اليوم ذكرها الـ64، ليبقي السؤال الأهم.. ماذا لو لم تنجح الثورة وتأثيرها من الناحية السياسية والاقتصادية وغيره؟.

"الضباط الأحرار" هو تنظيم أسسه بعض ضباط الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر، وبدأ تحركه للسيطرة على مقاليد البلاد في منتصف ليلة 23 يوليو عام 1952، حيث نجح المقدم يوسف منصور صديق الذي تحرك متقدماً ساعة على موعد التحرك الأصلي والمحدد من الحركة سلفاً بالاستيلاء على مبنى هيئة أركان الجيش والقبض على من فيه من قيادات ومن ثم أعلن فيه قيام الجيش بحركة لصالح الوطن كتبها جمال حماد وقرأها أنور السادات بالإذاعة المصرية.

ورغم الحالة الاقتصادية الجيدة التي كانت تعيشها مصر آنذاك، حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الجنيه 25 قرشا، والجنيه الذهبي بنحو 98 قرشا، ومعدلات البطالة لأقل من 0.2%، وارتفاع نسبة زراعة القطن والقمح المصري، بالإضافة إلي إقراض الخزانة المصرية للمملكة البريطانية "دولة الاحتلال" وقتها مبلغ 29 مليار دولار لم تستردها الدولة حتى تاريخه، إلا أن السبب الرئيسى لخروج المصريين كان سوء توزيع هذه الثروات، بالإضافة لوجود محتل أجنبي.

ففي ظل حكم الملكية ساد الإقطاع بشتى صورة وتركزت الثروة في يد فئات محدودة من المجتمع والرأسماليين وحُرم صغار الفلاحين من تملك الأرض الزراعية التي كانت حكرا على أشخاص بعينها، فضلا عن الاستعمار الأجنبي.

وزير الثقافة السابق الدكتور جابر عصفور أكد أن ثورة يوليو حدث في غاية الأهمية لجيل بأكمله عايش الثورة وانتفع بخيراتها، لما أتاحته من انحياز تام إلي الفقراء من أبناء الشعب المصري، مضيفا: لولا الثورة ما كان ليكمل تعليمه حتي يصل في النهاية إلى منصبه، بفضل مجانيه التعليم من الابتدائية إلى الجامعة التي منحت الفرصة للأسر الفقيرة لتعليم أبناءها.

ناجي الشهابي رئيس حزب الجيل، رأى أنه لو لم يكتب النجاح لثورة الضباط الأحرار، لاستمر مجتمع النصف في المائة (في إشارة للذين تربعوا على قمة هرم الثروة في البلاد آنذاك) بالتحكم في البلاد، بينما يعاني 99.5% من شعب مصر من الفقر والجهل، كما كان سيظل الاحتلال البريطاني جاثمًا علي صدور المصريين، ولم تكن لتؤمم قناة السويس وتظل مرتعًا للإنجليز يستنزفون خيراتها.

وأضاف الشهابي: لولا الثورة لازداد الغني غنىً والفقير فقرًا، وكذلك دول أفريقيا ربما كانت لا تزال قابعة تحت الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لاسيما وأن ثورة يوليو في مصر قادت حركات التحرر العربي والإفريقي من الاستعمار بكافة أشكاله، فبدونها لم تكن ليرفع للعرب والأفارقة رأس أمام الاحتلال.

وشدد رئيس حزب الجيل، على أن الثورة كانت ضرورة تاريخية لمصر أحدثت نقلة حضارية ومكنت المصري من أن يعيش بكرامه، أعادت لمصر كذلك دورها العربي والأفريقي والعالمي.

السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق والقيادي بتحالف التيار الديموقراطي، وصف فرضية عدم قيام ثورة يوليو بالمستحيل، مثله كمثل افتراض إشراق الشمس من المغرب مثلُا، مؤكدًا أن الثورة لو لم تقم بالشكل الذي قامت به في 23 يوليو لكانت قامت بأشكال أخري.

وأشار مرزوق، إلي أنه كان هناك إرهاصات كثيرة وحالة من الغضب الشعبي العارم بعد انتهاء حرب فلسطين، تجلت في التظاهرات الكثيفة التي خرجت تندد بالنكبة، وزيادة حدة مقاومة الاحتلال الإنجليزي لاسيما في منطقة قناة السويس، وبدأ الشعب يتململ لمقاومة الحفاء كما عرف آنذاك.

وشدد علي مطالب الشعب المصري في ذاك الوقت، وهي نفس المبادئ من عدالة اجتماعية وكرامة، مؤكدًا أنها لا زالت هي الأساس لثورات وانتفاضات الشعب المصري المتعاقبة، لتحقيق أكبر قدر من العدالة والشعور بالعزة.

ومن بين سيناريوهات فشل "الحركة المباركة" حسبما أطلق عليها أن ذاك ، القبض علي أعضاء تنظيم الضباط الأحرار علي رأسهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتوقيع أقصى عقوبة عليهم وهي الإعدام بتهمة الخيانة والانقلاب علي النظام الملكي، وبالتالي لم يكن الشعب المصري علي موعد مع زعيم من طراز رفيع تولي مقاليد الحكم خلال الفترة بين يونيو 1956 - سبتمبر 1970.

كما رأى محللون ، أنه في حالة فشل "الضباط الأحرار"، لاعتلى الملك أحمد فؤاد الثاني عرش مصر، خلفًا لوالده الملك فاروق الأول بعد أن وفاته المنية عام 1956 إثر أصابته بأزمة قلبية عن عمر يناهز 45 عام، بالإضافة لعدم إعلان الجمهورية وتعاقب 7 رؤساء على حكم البلاد بداية من محمد نجيب ووصولا للرئيس عبد الفتاح السيسي.

فيما كان لنشطاء مواقع التواصل الاجتماعى رأى اخر ، فيقول أحد النشطاء: لو لم تقم ثورة يوليو لعايشنا عصور الظلام، ولظل المصري البسيط قابعًا في غيابات الجهل وعدم التعلم وخدمة الملوك، ولظل مستعبدا يعطى لوطنه ويبذل جهده وعرقه ويذهب كل ذلك هباء لصالح الأسرة الحاكمة، لاسيما وان الثورة جاءت لتلغي الطبقات بين الشعب المصري، حتى أصبح الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين وتغيرت البنية الاجتماعية للمجتمع المصري.

ورأى آخرون أن الحياة السياسية كانت ستظل ثرية، تتمتع بتنوع حزبي وديموقراطية ناضجة تضع حكم الأغلبية فوق سلطات الملك تأتي برئيس وزراء وتطيح بآخر، بعيدا عن إرادة الحاكم، مستنكرين القضاء علي المعارضة وتهميشها، الأمر الذي كان من أولويات السلطة بعد 23 يوليو.

واعتبر أحدهم الثورة هي العصر الذهبي للطبقة العاملة المطحونة الذين عانوا أشد المعاناة من الظلم وفقدان مبدأ العدالة الاجتماعية بداية من أصدار قانون الملكية يوم 9 سبتمبر 1952، الذي قضي على الإقطاع، وربما إذا لم تنجح لظل أغلب الرؤساء والوزراء المتعاقبين فقراء لا يجدون قوت يومهم محرومين من فرصتهم في شغل المناصب العليا، إذ استفادوا من قانون الملكية فيما بعد، والذي أعاد لأجدادهم وآبائهم حقوقهم المسلوبة.