رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خطايا 23 يوليو».. وصفت بـ«الانقلاب الدافئ».. و«قصص العشق» أحاطت تنظيم «الضباط ‏الأحرار».. و«الدسوقى» لـ «الدستور»: نجيب «اتظلم»

جريدة الدستور

ما من ثورة عرفها الشعب المصري وأثارت جدلا حولها، مثلما حدث مع ثورة 23 يوليو، التي تحل ‏ذكراها الـ64 اليوم، ولازالت تجر في أذيالها بعض الخطايا والشبهات التي لازمتها منذ عام 1952، بداية ‏من الاختلاف والجدل حول اسمها، نهاية بما حدث مع الرئيس الراحل محمد نجيب.‏

‏«انقلاب أم ثورة؟»‏
«هل كانت 23 يوليو ثورة أم انقلابا».. التساؤل الذي لازال الكثيرون لا يعرفون إجابته حتى الآن، فقد ‏عُرفت في بدايتها بأنها حركة تمرد عسكرية داخل صفوف الجيش على الملك فاروق حاكم مصر آنذاك، ‏إلا أن الكثيرين وصفوها بالانقلاب الدافئ أو الشرعي؛ بسبب الصراع العسكري الذي دار بين جمال ‏عبدالناصر ومحمد نجيب أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، والذي حسمه الأول لصالحه.‏

كان تولي رجل عسكري الحكم بعد الثورة، هو ما دفع الكثيرين إلى وصفها بالانقلاب، ألا أنها أخذت صفة ‏الثورة؛ بسبب الطابع الشعبي الذي لازمها منذ اللحظات الأولى، والتفاف الشعب حول قيادة الجيش ‏وتنظيم الضباط الأحرار، مما أعطاها عبر التاريخ صفة ثورة وليس انقلاب.‏

وكان محمد نجيب أحد قادة الثورة، أول من وصفها بالانقلاب وذلك في مذكراته التي خطها بيده بعنوان: ‏‏"كنت رئيسًا لمصر"، والتي أعتقد فيها أن ما حدث انقلاب، وأن تسميته انقلابًا لا يعد إساءة لحركة ‏الجيش، لأن الانقلاب كان يستهدف إحداث ثورة على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي‎.

وقال في مذكراته، "الاسم الخاص بما حدث في 23 يوليو تغير من انقلاب إلى حركة، ثم سرعان ما أطلق ‏عليها الحركة المباركة، ثم الثورة بسبب التأييد الشعبي الذي قابلها"‏‎.‎

وفرق نجيب في حديثه عن ثورة يوليو بين ما كانت تهدف إليه، وبين ما حدث بعد عام 1954، فكتب ‏يقول: "إن الثورة تحولت إلى عورة"، بل وصل الأمر معه إلى وصفه لها بالجريمة؛ بسبب ما وصفه ‏بممارساتها الديكتاتورية التي طالته قبل الجميع‎.‎

وحسم الكاتب الكبير نجيب محفوظ الجدل حول هذا الأمر بقوله: "بدأت حركة لا يعلم مصيرها إلا الله ثم ‏تحولت باستيلاء الثوار على قيادة الجيش إلى انقلاب لتصبح ثورة بكل مقوماتها نتيجة التأييد الشعبي ‏الجارف لها".‏

لتظل 23 يوليو تتأرجح بين الانقلاب والثورة، ربما لكثرة مؤيديها ومعارضيها على السواء، الذين نعتوها ‏بأنها ليست ثورة ولكنها حركة وفقًا لنص البيان الإعلامي لها، بينما أكد آخرون أنها انقلاب عسكري ‏مشككون في شرعيتها.‏

«الضباط الأحرار وقصص العشق»
كانت ثاني الخطايا التي أحاطت بالثورة، على يد ضباطها الأحرار، الذين دارت حولهم شبهات قصص ‏العشق والعلاقات الجنسية مع الكثير من الفنانات والمشاهير، بعدما قيل إنهم انصرفوا عن الخيام ‏والمعسكرات إلى السهر والحفلات.‏

«وجيه أباظة وليلى مراد» ‏
سجلت حقبة الخمسينات شائعات كثيرة دارت حول وجود علاقة بين الفنانة ليلى مراد، ووجيه أباظة أحد ‏الضباط الأحرار، وذلك بعد طلاقها من الفنان أنور وجدي، حيث قيل إن الأخير طلب الزواج من المطربة ‏الشابة، لكنه اشترط أن يكون سرًا حتى لا يعلم أحد من الضباط الأحرار به.‏

واعتزلت ليلى الفن وأعلنت أنها سافرت إلى أوروبا، ولكنها في الحقيقة ذهبت إلى بيت زوجها الجديد، ‏حيث قبلت أن تكون زوجة بعيدة عن الأنظار من فرط حبها له، إلا أن أعباء عمله جعلته يتركها لفترات ‏طويلة وحيدة، حتى ابتعد عنها معلنًا نهاية قصة عشقهما، تاركًا معها ابنها "أشرف". ‏
‏ ‏
«علي شفيق ومها صبري»
ودارت قصة عشق أخرى، بين المطربة مها صبري، وعلي شفيق مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر، ‏حيث كان زواجهما رسميا إلا أنه كان سريًا، لاسيما أنه اشترط عليها أن تترك عملها مقابل أن يترك هو ‏زوجته نجوى فؤاد، وظلا زوجين إلى أن قُتل على شفيق في لندن عام 1977.‏
‏ ‏
‏«صلاح نصر واعتماد خورشيد»‏
أكثر قصص العشق جدلًا، والتي جمعت بين مدير المخابرات الأسبق صلاح نصر، والمنتجة اعتماد ‏خورشيد، التي وصفته أمام محكمة الثورة بـ"الشيطان"، بعدما قصت عليها كيف أجبر زوجها على ‏أن يطلقها ويشهد على زواجها منه.‏

‏«اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر».. كان هذا أحد أبرز الكتب إثارة في تاريخ مصر، والذي ‏حقق مبيعات لم يحققها كتاب آخر خلال فترة الثمنيات، وتم سحبه من الأسواق بأمر قضائي، بعدما خطته ‏يد خورشيد لتحكي فيه عن نصر وجرائمه.‏
‏ ‏
‏«عبدالحكيم عامر وبرلنتي عبدالحميد»
أما القصة الأشهر فكانت من نصيب الفنانة برلنتي عبدالحميد والمشير عبدالحكيم عامر، الذي بدأ سرًا ‏بحضور الأهل والأصدقاء وبعض رجال ثورة يوليو وبالتدريج أصبح علنيًا مع استقرار العلاقة بينهما ‏واستمر زواجهما حتى رحيل المشير.‏
‏ ‏
«الملك فاروق.. الظالم والمظلوم»
«‎إن نقطة دم مصرية أثمن عندي من كل عروش الدنيا، والرحيل فورًا أهون على قلبي من سفك دماء ‏مصرية حفاظًا على منصبي».. قالها الملك فاروق عام 1952، تاركًا عرشه وراءه، دون اعتراض تخوفًا ‏من سفك الدماء، حيث كان ترحيله إحدى خطايا الثورة، التي عول الكثيرون عليها آنذاك، بعدما أرغمته ‏على التنازل عن عرشه.‏

ولم يحاول منع القرار بل وافق على الفور وكتبت له هذه الجملة في التاريخ، وتنازل عن العرش إلى ابنه ‏أحمد فؤاد الثاني، علمًا بـأن الضباط الأحرار كانوا قد قرروا الاكتفاء بعزله ونفيه من مصر، بينما أراد ‏بعضهم محاكمته وإعدامه كما فعلت ثورات أخرى مع ملوكها‎.‎

وإستجاب الملك لإرادة الضباط، وغادر قصر رأس التين بالإسكندرية، على ظهر اليخت الملكي ‏المحروسة، وتوفى عام 1965، وقيل إنه اغتيل بسم "الاكوانتين‏"، على يد إبراهيم البغدادي أحد أبزر ‏رجال المخابرات المصرية.‏

«محمد نجيب.. الرئيس المظلوم»
أما النقطة السوداء التي ظلت بارزة في جبين الثورة، هي ما حدث مع أول رئيس لجمهورية مصر العربية ‏محمد نجيب، الذي رأى بعد نجاح الثورة ضرورة عودة الجيش إلى ثكناته، وأن تعود الحياة النيابية لسابق ‏عهدها، وهو ما أشعل الخلاف داخل مجلس قيادة الثورة.‏

وفي نوفمبر 1954، قرر مجلس قيادة الثورة عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية؛ مما أثار غضب ‏طوائف عريضة من الشعب وطالبوا بعودته، ألا أنه وضع تحت الإقامة الجبرية في قصر ضاحية المرج ‏المنعزلة وقتها، وتم منعه من الخروج أو من مقابلة أحد حتى عائلته.‏

وعقب النكسة أرسل برقية إلى عبدالناصر يطلب منه السماح بالخروج في صفوف الجيش، ألا أنه لم يتلق ‏أي رد منه، وظل علي هذا الحال إلى أن أفرج عنه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد حرب 1973 ‏ورغم هذا ظل الأخير يتجاهله تمامًا.‏

ويرى الكثيرون أن نجيب كان الواجهة البراقة التي استخدمها الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر للإعلان ‏عن أنفسهم، وتخلصوا منه عندما استنفدوا غرضهم منه، ولكنه ظلم كثيرًا بعد ذلك، لاسيما مع وفاة اثنين ‏من أبنائه وهو على قيد الحياة، وكان مصيرهما مأساويًا فقد عمل أحد أبنائه سائق عربة أجرة، وتشرد ‏أبناؤه الباقون.‏

«زوار الفجر»‏
وما تلا فترة حكم عبدالناصر، كان أكثر مأساوية، وتشويهًا للثورة، حيث استطاع السيطرة على مقاليد ‏الحكم بقبضة عسكرية، وشهدت السجون خلال هذه الفترة حالات تعذيب لا تعد ولا تحصى على يد زوار ‏الفجر، وخصوصًا بعد إنشاء المحاكم الخاصة بالشعب والثورة والغدر والطوارئ.‏

وفي هذا الصدد، أكد الدكتور عاصم الدسوقي، المؤرخ وأستاذ التاريخ بجامعة حلوان، وصاحب دراسات عديدة في الحقبة الناصرية، ‏أنه خلال مرحلة الثورة تعرض الكثير من الأشخاص إلى التشويه، من بينهم اللواء محمد نجيب، حيث تعمد ‏الجميع خلال حقبة الستينات طمس دوره، وإغفال ذكر اسمه في تلك المرحلة الهامة.‏

وأشار إلى أنه تم تشويه صورة أول رئيس جمهورية لمصر، عن طريق اتهامه كثيرًا بالأخونة أو التعامل ‏مع مخابرات العالم، وهو الأمر الذي استند عليه عبدالناصر لوضعه تحت الإقامة الجبرية.‏

وفي إحد دراساته بعنوان: "الحقبة الناصرية.. 23 يوليو"، أكد الدسوقي، أن ثورة يوليو عاشت ما يعرف ‏‏"بالثورة المضادة"، وهو ماوصف البعض لها بالانقلاب، على عكس الحقيقة، فهي الثورة الوحيدة التي حققت ‏أهدافها، إلى جانب التأييد الشعبي، الذي أعطاها معنى ثورة شعبية.‏

ورفض أستاذ التاريخ بجامعة حلوان، خلط التاريخ بالسياسة، مشيرًا إلى أن هذا ما حدث إبان ثورة 1952، ‏حيث تم البدء في تأريخها بعد عام واحد فقط من اندلاعها، وهو ما يعد خروجًا على معايير التأريخ ‏الصحيحة، حيث لا يجوز التأريخ لأشخاص وهم لا يزالون على قيد الحياة، لأن ذلك يتسبب في أخطاء ‏كارثية.‏