رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى"23 يوليو"..انفتاح عبدالناصر على العالم جلب الاستثمارات الغربية.. الزعيم عادى الولايات المتحدة وتقرب من روسيا..وعلاقة صداقة ربطته بـ"نهرو وتيتو"

جريدة الدستور

في مثل هذا الوقت منذ 64 عامًا، قامت ثورة 23 يوليو، لتغير مسار مصر، ومن ثم أتت بالرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي نجح في إحداث انفتاح في الخمسينيات والستينيات، واستطاعت مصر أن تحصل من الغرب على ما لم تحصل عليه من قبل، فقد شهدت هذه الفترة استثمارات غربية عديدة.
وقد وضع الرئيس عبدالناصر منذ يوليو 1952 وطوال فترة حكمه لأول مرة معالم واضحة للسياسة الخارجية لمصر، وبدأ بالانضمام لحركة عدم الانحياز، لدعم علاقات مصر بكل الدول.

الاستثمارات الغربية
قامت ألمانيا ببناء صناعة الحديد والصلب بـ"حلوان"، وصناعة الأسمدة والكيماويات في أسوان، بالإضافة إلي محطات الكهرباء والكباري الرئيسية والقناطر والدواء.
وقامت إيطاليا ببناء صناعة السيارات في وادى حوف بمنطقة حلوان، أما الولايات المتحدة فقامت ببناء وتجهيز التليفزيون ومحطات الكهرباء ثم الفنادق الكبرى ، بالإضافة إلي بدء عمل أكبر شركات في مصر في مجالي الكشف والاستخراج.
وساهمت فرنسا في كشف واستخراج البترول، وكان التعاون بين كل من بريطانيا وفرنسا وسويسرا وألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على أشده في مجال تصنيع الدواء.
وساهم الاتحاد السوفيتي في بناء السد العالي أعظم الإنجازات، ومدينة الألومنيوم والصناعات الإستراتيجية والمزارع النموذجية، وفي الوقت نفسه وضعت في تلك الفترة الأسس لمشاريع مشتركة مع الهند والصين، كما تضاعفت المبادلات والعلاقات مع دول العالم الثالث لبناء جبهة اقتصادية تعزز عدم الانحياز، وقد تسابقت دول الغرب على الاستثمار في مصر، لانها كانت تثق في نزاهة وكفاءة النظام.

"حركة عدم الإنحياز"
فكر رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو، والرئيس المصري جمال عبدالناصر، والرئيس اليوغوسلافي تيتو في إنشاء حركة عدم الانحياز، وكانت هذه الحركة واحدة من نتائج الحرب العالمية الثانية، ونتيجة مباشرة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة، والاتحاد السوفيتي وحلف وارسو من جهة، وتأسست من 29 دولة وهي الدول التي حضرت مؤتمر باندونج 1955.

عبدالناصر والولايات المتحدة
الولايات المتحدة رفضت سياسة عدم الانحياز التي اتبعها "عبد الناصر"، وبدأت رفض مطالبه المتعلقة بالتسليح وبعض المشاريع الكبرى، فاتجه الرئيس الراحل للكتلة الشرقية، وبدأ يدعم علاقاته مع روسيا في كل المجالات، وبدا أن هناك اتجاهًا شعبيًا إلى روسيا، إلى أن اندلعت حرب 1973 وبدأ الرئيس السادات في اتباع سياسة مغايرة وهي الميل إلى الولايات المتحدة.
وتمثلت سياسة عبد الناصر الخارجية في الاعتماد على الاتحاد السوفيتي؛ فوجد لنفسه البديل وبدأ التقارب بين مصر والاتحاد السوفيتي مع منتصف الخمسينيات في سياق تصاعد الحرب الباردة التي كان من أبرز علاماتها صفقة الأسلحة المصرية التشيكية عام 1955، واستقدام الخبراء السوفييت سواء العسكريين منهم أو الفنيين لبناء السد العالي، وتزايد الأهمية الإستراتيجية والأيديولوجية للشرق الأوسط.
وكانت توقعات الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين للحصول على مباركة جمال عبد الناصر لترتيبات الدفاع الإقليمي في الشرق الأوسط، تشكل جزءًا من سياسة احتواء الاتحاد السوفيتي العالمية، وقوبلت برفض جمال عبد الناصر مجرد التعاون مع أمريكا، بل والعمل ضدها في المنطقة، وقد جاء تأميم قناة السويس عام 1956 كرد فعل مباشر للرفض الأمريكي والغربي لتمويل السد العالي، وهو التطور الذي بلغ قمته في العدوان البريطاني والفرنسي والإسرائيلي على مصر عام 1956.
وفي الوقت ذاته قام "ناصر" بتعميق سياسته حول القومية العربية، وتأييده لحركات التحرر الوطني، ووقوفه ضد سياسات الولايات المتحدة والغرب في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.

"مصر والهند"
كان بين مصر والهند علاقات جيدة تظهر في عدة مواقف أولها في سبتمبر 1961، حين اقترح رئيس جمهورية يوغوسلافيا، تيتو، على الزعيم الهندي، رئيس الوزراء آنذاك نهرو، أن يزورا معًا الرئيس المصري، جمال عبد الناصر، في قصر القبة بالقاهرة، لإعلان تأييدهما له بعد انفصال مصر وسوريا.
وجمع الزعماء الثلاثة اجتماعًا آخر في بريوني يوليو 1956، وقال نهرو خلال لقاءه بفريق المراسلين الأجانب في مطار بولا "ليس هذا مؤتمر، إنما هو لقاء بين أصدقاء".
سلم السفير السوفيتي ممثلي دول عدم الانحياز، ومنهم مصر ويوغوسلافيا والهند، رسالة من رئيس المجلس الأعلى للاتحاد السوفيتي، خروشوف، جاء فيها: "الاتحاد السوفيتي سيستأنف إجراء التجارب على الأسلحة النووية"، وأثار هذا النبأ الغليان في المؤتمر لأنه كان يناهض كل ما كانت تنادي به دول عدم الانحياز، وانضم نهرو إلى عبد الناصر يبحثان الأمر، وأقترح عبد الناصر إيفاد رئيس جمهورية إندونيسيا ورئيس جمهورية مالى إلى البيت الأبيض، وإرسال نهرو ورئيس جمهورية غانا إلى الكرملين.

هاجم الصينيون الهند عام 1962، بسبب النزاع على الحدود، وكان عبد الناصر الشخص الوحيد الذي يسعى نهرو لأن يلجأ إليه، وعندما كتب إليه نهرو يمده بتقييم للموقف، أجابه عبد الناصر بأنه لن يكون في وسعه أن يمنح الهند تأييده المطلق علنًا، ولن يكون في وسعه أن يهاجم الصين على عدوانها، وقال "يجب أن أبقي مسالكى مفتوحة مع كل منكما، إذا كان لي أن أحتفظ بقدرتي على التوسط"، ووافق نهرو على ذلك، لكن سخر المعارضون منه بسبب عدم دعم عبدالناصر له، لكن دبلوماسية عبد الناصر قد جعلته يعقد مؤتمر كولومبو، الذي أصدر مقترحات أنهت الأزمة الهندية الصينية.
وعند وقوع العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ساندت الهند الموقف المصري حيث دافع نهرو عن القضية المصرية، الأمر الذي بلغ حد التهديد بانسحاب بلاده من الكومنولث البريطاني.

توجه عبدالناصر للمعسكر الشرقي
من جانبها قالت نهى بكر، أستاذ علوم سياسية بالجامعة الأمريكية وخبيرة العلاقات الخارجية، إن عبدالناصر كان عدوًا لأوروبا وأمريكا، وعندما قامت ثورة 52 كان عبدالناصر لديه توجه وهو عمل ازدهار اقتصادي في مصر، ومشروع قومي يساعد الدول المحتلة على تحريرها، وساعد عدة دول منها الجزائر على الاستقلال، مما أدى إلي استعداء الغرب، وكانت أوروبا كارهه له، بالإضافة إلي العدوان الثلاثي على مصر الذي أدى إلي مزيد من التوتر بين عبدالناصر والدول الأوروبية.
وعندما أراد عبدالناصر بناء السد العالي، أعلنت أمريكا انسحابها من تقديم العون لمصر مُبررة ذلك بأن اقتصاد مصر لا يستطيع أن يتحمل أعباء بناء السد العالى، ثم تبعتها بريطانيا بسحب العرض الذى كانت تقدمه لمصر وقدره حوالى 14 مليون دولار، ثم أعلن مدير البنك الدولى بأن البنك لا يمكنه قرض مصر مبلغ المائتى مليون دولار لتمويل المشروع، وأدى هذا إلي توجه عبدالناصر إلي روسيا، وتوجه إلي المعسكر الشرقي بدلًا من المعسكر الغربي.
وكان للحرب الباردة تبعات على مصر، رغم انضمامها لدول عدم الانحياز، لكن كان هناك تبعية في السلاح لروسيا، وجاء السادات ليتخذ سياسات مغايرة، فاتجه للمعسكر الغربي وترك المعسكر الشرقي.