رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلام العلماء


فى عام 1956 أنشئ المجلس الأعلى للعلوم وتحددت رسالته فى العمل على «النهوض بدراسة العلوم، وتشجيع البحوث العلمية ونشرها، واقتراح السياسة المثلى لتنشيط هذه البحوث والدراسات، وتنسيقها وتوجيهها بما يحقق النهضة العلمية والفكرية» وكان على رأس وزارة البحث العلمى أنشط وزير بحث علمى أنجبته مصر هو د. صلاح هدايت «أغسطس 1961 – مارس 1964». كان المجلس الأعلى للعلوم يضم نخبة من علماء مصر الحقيقيين منهم: د. محمد كامل حسن، د. مصطفى كمال طلبة، د. أحمد على الجارم، المهندس صلاح عامر، وغيرهم. صدرت النشرة الأولى للمجلس الأعلى للعلوم فى أبريل 1962.

ومازلت أحتفظ بهذه النسخة بعد أن آلت إلى مكتبتى الخاصة بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية بعد رحيل أستاذنا الفاضل فى الرياضيات د. صادق بشارة «1907 – 2 أبريل 1984» والتى كانت بمكتبته. فى هذه النبذة سجل د. محمد كامل حسين «1901 – 1977» – أستاذ جراحة عظام وأديب، وأول مدير لجامعة إبراهيم التى هى عين شمس حالياً عند إنشائها عام 1950، وأول رئيس لجمعية جراحة العظام المصرية عند إنشائها سنة 1948، مقالاً سجل فيه بعضاً من ذكرياته فى البحث العلمى فقال: كنت أزور معهداً من معاهد السرطان الكبرى، ووقفت وقفة طويلة فى معمل تربية الخلايا، وكان من أكبر معامله، صُرف عليه من المال ما يبلغ حد التبذير، وجُهز بكل معدات البحث على نحو يراه الناس إسرافاً وترفاً. وكان مديره عالماً من أذكى العلماء وأقدرهم،ومساعدوه على أكبر قسط من العلم والخبرة.

وكان العمل كله منظماً دقيقاً منسقاً على خير ما نعرف من مناهج البحث العلمى. وشرح لى هذا العالم اتجاهات بحوثهم وعرض علىّ ما وصلوا إليه من نتائج، وكان العرض مُدهشاً، فأبديت له غاية الإعجاب بهذا العمل الرائع، وخطر لى وأنا أتحدث إليه أن أبدى له رغم إعجابى التام بهذه البحوث ومنهجها أنى أشك كثيراً فى أن تكون هذه طرق الوصول إلى معرفة سر السرطان، وقلت له إن هذا السر سينزل على الناس من السماء يوماً ما كما نزل سر «التقيُح» على «باستور»، وتماديت فقلت إن «باستور» لو أتبع طرق البحث المُنظمة فتناول الصديد بالتحليل الكيميائى والفيزيائى والكهربائى ولو تجمع لديه كل ما يمكن أن يعرف من حقائق عن «التقيُح» ما أتاح له ذلك وحده أن يعرف سر هذا الأمر، ولو لم ينزل عليه الوحى العلمى بذلك ما بلغ النجاح الذى حققه.

وكان خليقاً بمحدثى أن يغضب لهذه الملاحظة فهى قاسية غير كريمة ومثبطة وتكاد تكون احتقاراً لعمله كله الذى كرس له حياته، ولكنه لم يغضب بل قال لى فى هدوء تام: هذا صحيح وسينزل سر السرطان على الناس وحياً من السماء ولكنه حين ينزل سينزل فى أغلب الظن على معمل من معامل تربية الخلايا».

وهنا أدرك د. محمد كامل حسين أن التصوير الحق لمعامل البحوث يجب أن يكون على أنها ليست أمكنة تُكشف فيها الحقائق بل على أنها أمكنة مُعدة لتلقى الوحى العلمى الذى لا تكون البحوث بدونه إلا تكراراً أو تقليداً أو قشوراً.

هكذا كان يدور الحديث بين العظماء، ومن الحديث نستخلص المفاهيم السامية التى تقودنا إلى النجاح الحقيقى وليس المُزيف القائم على المظاهر الخادعة.