رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحكيم فى إدارة الأزمات


أثار إعجابى وتقديرى تصرف قائد طائرة «مصر الطيران» المُختطفة إلى مطار لارناكا بقبرص ومعه مساعده وطاقم الضيافة، سواء مع الشخص الذى قام بالاختطاف أو حتى جميع الركاب.

فإدارة الأزمات تعنى الاستعداد لما قد لا يحدث والتعامل مع ما حدث. وفى قراءة متأنية لدور الأزمة بشكل عام يقودنا إلى أن نلمس خيطاً يقودنا إلى حقيقة مفادها: «أن المجتمعات التى اعتمد الهرم القيادى فيها على فرق خاصة وكفوءة فى التعامل مع الأزمات كانت أصلب عوداً وأكثر على المطاوعة والاستمرار من نظيرتها التى انتهجت أسلوباً مغايراً تمثل بالتصدى المرتجل والتعامل بطرق غير مدروسة سلفاً مع بؤر الصراع والتوتر ما أدى بالتالى إلى ضعفها وتفككها».

فالأزمة – أى أزمة – كما يقول الكاتب «العُمانى» محمد الحضرمى - مهما كانت صغيرة أو كبيرة، بحاجة إلى إدارة حقيقية جادة وناجحة، فقد تحدث داخل البيت وضمن محيط الأسرة، وما لم تتدخل الحكمة فى إدارتها فإنها ستشتعل ناراً، وستحرق أستار الأسرة، وتؤدى إلى استخدام العنف، وتكبر الأزمة بين أفراد الأسرة، فتؤدى إلى ما لا يحمد عقباه. وكل هذا يحدث بسبب سوء إدارة الأزمة داخل البيت الصغير، وفى محيط الأسرة الواحدة. ومع وجود الحكمة، فإن الأزمة ستنطفئ، وتصبح كأن لم تكن، لأنها لا تعدو أكثر من حالة غضب عابرة.

فنحن فى الحياة يوجد بيننا مخلصون وناصحون وناضجون ومن هم ذوو عقل رشيد، وعلى النقيض يوجد بيننا من هم خادعون وكذابون ومنافقون ودون عقل، فيتصرفون بدون حكمة فى وقت الأزمات وتؤدى انفعالاتهم وأحكامهم غير المدروسة إلى تفاقم الأزمات واشتعال المواقف فيتصاعد دخانها إلى الأعلى. فقد تحدث الأزمة بسبب بطء فى اتخاذ القرار، وهذه واحدة من المصائب الكبرى، لأن الأزمة بحاجة إلى حكمة وسرعة فى اتخاذ القرار، كالنار حين تشتعل، لا يصح أن نسأل هل نطفئها بالماء أو بالتراب؟ المهم أن تنطفئ أولاً، لأنها لو ظلت مشتعلة فستحرق كل ما هو أمامها. فإن لم تتدخل الحكمة فى إدارة أزمة ما، فإنها ستكبر إن كانت صغيرة لتقضى على كل شىء جميل.

كم من أزمات شديدة مرت بنا نحن المصريين – على مدى تاريخنا العريق – وكم من حكماء رأيناهم أمامنا أنقذونا من تبعات تلك الأزمات. وعلى النقيض، فى أحيان كثيرة وجدنا للأسف أغبياء لا يدركون العواقب الناجمة من وراء تلك الأزمات، فبدلاً من أن يتحلوا بالحكمة والروية واستشارة الحكماء نجدهم اتخذوا قرارات هوجاء مصطحبة بالسباب والاتهامات الباطلة فتضاعفت الأزمة وعشنا فى اضطراب وضيق فترة من الوقت، بل فى أحيان كثيرة عانينا من توابعها لسنوات عدة.

لذلك من المهم – عند اختيار المسئولين فى جميع قطاعات الدولة – أن يتحلوا بالحكمة وأن نراقب تصرفاتهم قبل تولى المنصب القيادى. فالحكمة لا تُقتنى بالدورات التدريبية ولا بالإطلاع على الكتب الكثيرة، لأن ربما الغباء لا يقود صاحبه إلى إدراك العبرة الموجودة فى الكتب. لكن الإنسان الحكيم له بصيرة واضحة ترشده إلى العمل الصالح واتخاذ القرار الحكيم فى الوقت المناسب. كونوا حكماء لأن الأيام شريرة.

عضو المجمع العلمى المصرى