رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ملحمة «طوكر» «1»


«طوكر» – حكاية مائة وألف قمر – هى رواية حديثة لعالم فيزياء الضوء والأديب الممتع الأستاذ الدكتور عمرو شعراوى، أستاذ الفيزياء بالجامعة الأمريكية بالقاهرة ورئيس الجامعة السابق للشئون الأكاديمية.

الرواية صدرت حديثاً عن دار العين للنشر، وتقع فى 580 صفحة من القطع المتوسط. وقد تصدرت روايته الرائعة بكلمة إهداء: «إلى عساكرنا البواسل الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل هذا البلد». ثم يسجل فى بداية روايته: (الذاكرة الجامعة للمصريين عبّرت عما حدث فى طوكر سنة 1884 بعبارة تداولتها ألسنتهم كثيراً لأكثر من مائة عام: «رحنا فى طوكر». اليوم قلة من المصريين يعرفون ماذا فقدنا فى طوكر، وعدد ضئيل من هؤلاء يفهم بالضبط ماذا راح منا فى طوكر). ومُعظم أحداث هذه الرواية من نسج الخيال، لكن مُدعمة بحقائق تاريخية.

لمن لا يعرف «طوكر» أقول: إنها مدينة تقع فى ساحل البحر الأحمر شرقى السودان فى دلتا نهر بركة المنحدر من المرتفعات الأريترية ويعمل سكانها بالزراعة بمشروع «دلتا طوكر الزراعى» المهتم بزراعة القطن والذُرة والدخان والخضراوات. وكانت منتجاتها الزراعية تتميز بالحيوية الطبيعية فلم يكن يُستخدم فيها التسميد أو المبيدات الزراعية. وزراعة القطن فيها بدأت تحت حكم الإنجليزى ممتاز باشا. والمدن القريبة منها هى مدينة قرورة، مدينة وميناء سواكن «التى ورد ذكرها كثيراً فى الرواية»، مخطط البحيرة.سجل الروائى عمرو شعراوى روايته كيوميات شاهد عيان بأسلوب أدبى ممتع، كخليط جيد بين باحث الفيزياء وأديب وطنى متميز وقارئ جيد لتاريخ مصر.

نطالعه فى يوميات مارس 1884، تحت عنوان «طوكر: سالك الدرب» يقول: أكتب إليكم من آبار التب. منذ أيام قليلة وصل الجنرال «جراهام» إلى سواكن لكى يقود حملة جديدة لكسر شوكة المهديين. فى يوم وصوله علمنا بخبر سقوط طوكر فى يد عثمان دقنة، فاختلط الأمر على أهل سواكن، وشكك الكثيرون فى استمرار الإنجليز فى تنفيذ مخططهم. لحُسن حظى لم يتراجع «جراهام» عن التقدم نحو طوكر لتأديب أنصار المهدى. ذلك القرار لم يكن مفاجئاً لأن الأسطول البريطانى كان قد بدأ بإنزال القوات اللازمة للحملة عند ترنكتات قبل أن يصل قائدهم قادماً من السويس. وبما أن رأس الجسر فى ترنكتات أصبح على وشك الاكتمال، لم يشأ الإنجليز سحب قواتهم مرة أخرى إلى سواكن دون القيام بعملية حربية تُعيد لهم هيبتهم. أضف إلى ذلك أن الجميعهنا يشككون فى حقيقة سقوط طوكر فى يد المهديين. فى نهاية الأمر حسم الجنرال «جراهام» أمره وقرر التقدم إلى طوكر سواء استسلمت حاميتها أو لم تستسلم.

حالفنى الحظ فالتحقت بحملة «جراهام» كحمال وسائق للجمال المُستخدمة فى نقل عتاد ومؤن الجيش. بالأمس حضر أحد الضباط الإنجليز عند المرفأ لتوظيف شيالين وحمالين لمرافقة الحملة، وأعجبته طريقتى فى التعامل مع الدواب، واستهوته معرفتى ببعض مفردات اللغة الإنجليزية. قضيت أيامى الأولى فى شحن الجمال والبغال فى البواخر المتأهبة لنقل القوات إلى ترنكتات. عندمارست البواخر فى خليج ترنكتات اشتركت فى نقل الدواب والعتاد إلى الشاطئ ثم عبرت بهم الأرض السبخة الموحلة حتى وصلت إلى «حصن بيكر» حيث عسكر جنود الحملة من الإنجليز. نستكمل العرض فى الحلقة المقبلة.