رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وحدث فى 13 مارس «2»


كما ذكرت فى الحلقة الأولى أنه فى يوم الإفراج عن سعد زغلول فى ميدان الأوبرا عند واجهة فندق الكونتيننتال وقف القمص «سرجيوس» يخطب فى الجماهير المتزاحمة من فوق عربة حنطور زهاء 9 ساعات. وفى أثناء خطابه الوطنى تقدم نحوه جندى إنجليزى شاهراً مسدساً فى وجهه فهتف الجميع: «حاسب يا أبونا .. حيموتوك»، وفى هدوء أجاب: «ومتى كنا نحن المصريين نخاف الموت؟ دعوه يريق دمائى لتُروى أرض وطنى التى ارتوت بدماء الآف الشهداء. دعوه يقتلنى ليشهد العالم كيف يعتدى الإنجليز على رجال الدين!». وأمام ثباته وإصراره واستمراره فى الخطابة تراجع الجندى عن قتله. كان يخطب فى الشوارع والميادين. يخطب أيضاً من نوافذ القطارات أثناء سفره وأثناء نقله إلى المنفى.

أصدر فيما بين «1930 – 1942» مجلة «المنارة المصرية» الأسبوعية. كتب الكثير من المقالات فى غير مجلته وكان يوقّع عليها باسم «يونس المهموز». أطلق عليه سعد زغلول لقب «خطيب مصر»، كما أطلق عليه الشعب لقب «خطيب الثورة الأول». فى عام 1944 أسند إليه البابا مكاريوس الثالث البطريرك 114 منصب وكيل عام البطريركية بالقاهرة، حيث قام بعقد مؤتمر لجميع رؤساء الطوائف المسيحية داعياً للوحدة المسيحية. وفى عام 1949 أسند إليه البابا يوساب الثانى البطريرك 115 المنصب نفسه. وكان المجلس الملى العام عينه مستشاراً للمجلس عام 1935 وذلك فى حبرية البابا يؤانس 19 البطريرك 113. وفى عام 1950 صار عضواً فى المجلس الملى العام، وله الفضل فى بناء كنيسة مارجرجس بالقللى.

كانت حياته سلسلة متواصلة من الآلام والأتعاب حتى انتقل بشيخوخة صالحة يوم السبت 5 سبتمبر 1964 بمنزله القديم بحى القللى بالقاهرة، حيث أصرت الجماهير على حمل جثمانه على الأعناق، وأطلقت الحكومة المصرية اسمه على أحد شوارع مصر الجديدة. وبعد وفاته نشرت جريدة «الأهرام» بعددها الصادر فى 24/9/1964 كلمة بعنوان: «مصر كلها كانت سرجيوسى حيث قال كاتبها: «إن تاريخ حياة سرجيوس جزء لا يتجزأ من تاريخ نضال الشعب المصرى بكل آلامه وآماله نحو غدٍ أفضل. فليس هناك من معركة فى تاريخنا منذ ثورة 1919 ضد الاستعمار أو الأستبداد أو الإقطاع أو التعصب الدينى أو العنصرى لم يكن لسرجيوس دور قيادى فيها، وكان دائماً فى جانب القوى الشعبية ..» ثم استطرد المحرر قائلاً: «واليوم يدخل سرجيوس دائرة التاريخ التى لا ينطفئ لها نور لينعم بحب وتقدير شعبنا، ويعتلى مكانة فى تراثنا القومى جنباً إلى جنب مع الطهطاوى والأفغانى ومحمد عبده». واختتم كلمته بقوله: «لقد نعى سرجيوس فى الصحف فقيداً للكنيسة المسيحية وهذا صحيح. ولكنه ليس كل الحق. فهو أيضاً وبنفس القدر والعمق فقيد الجامع الإسلامى، فقيد الشعب المصرى كله!!».

تحية لمركز الدراسات القبطية بمكتبة الإسكندرية الذى أعاد للمصريين تلك الذكرى العطرة. أما الكاتب فيتوجه بتحية خاصة للروح العملاقة للبابا شنودة الثالث البطريرك 117 والذى رحل فى 17 مارس 2012، إذ قد فتح صفحات مجلة الكرازة لكاتب هذا المقال لسرد التاريخ التفصيلى لأعمال القمص سرجيوس الوطنى الأصيل.

■ عضو المجمع العلمى المصرى