رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الواقع العـربى.. بين المتغيرات الدولية والإقليمية


ذكرت فى المقال السابق أن التصريح الذى أدلى به وزيـر خارجية روسيا بأن «سوريا يمكن أن تكون دولـة فـيـدراليـة»، يُشيـر إلى ثلاث حقائق، الأولى هى أن المنطقة العـربيـة قـد أصبحت إزاء لحـظات فارقـة يُعاد فـيها رسم وصياغة خريطتها السياسية، والثانية هى أن روسيا والولايات المتحدة قد توصلتا إلى اتفاق وقف إطلاق النار فى مقابل تقسيم سوريـا، وأشرت إلى أننى أتصور أن هذه الفيدرالية ستضم أربعة كيانات، كيان سنى، وآخـر شيعى، وثالث كردى، ورابع مسيحى يضم داخله مسيحيى العراق وسوريـا، والحقيقة الثالثة هى أن روسيا قد حصلت على موافقة بشار الأسد، وذكرت أيضاً أن الأزمة العـراقـيـة واليمنية والليبية واستيطان الجماعات الإرهابية فى المنطقة العـربية ستحمل فى طيات ملفاتها مخاطر داهـمة على الأمن الجماعى العـربى، والمصرى باعـتباره جزءا من كل.

ثم أوضحت أن العالم العربى يعنى أن مجموعة متناثرة من الدول والشعـوب، تعيش فى منطقة تُعـتبـر من أكثـر المناطـق أهـمية فأصبحت تعج بكثير من المتناقضات والصراعات فى غياب الإدراك بالحاجة الاستراتيجية الملحة لتحقيق التنسيق والتعاون والتكامل، ثم بدأت فى تناول أبـرز التحديات السياسية والأمنية التى تواجه العالم العربى، فذكرت أن أول هذه التحديات تكمـن فى استمرار تعـاظم دور التكتلات الاقتصادية العـملاقـة، الأمر الذى يُشير إلى عـدم قـدرة أى دولة عـربية على التعامل مع هذه التكتلات بشكل منفـرد أو مستـقـل مهما كانت قوتها الشاملة، خاصة أن هذه التكتلات تعـتـبـر المنطقة العـربية امتداداً طبـيعـيـاً لها وأن أمنها يـبـدأ من هـذه المنـطـقـة، كما أن الاتحاد الأوروبى يرتكـزعلى المنطقة العـربية، كما أن الأمن الجماعى الأوروبى يستند عـلى دول شمال أفريقيا.

ويُشير الواقع إلى أن المتناقضات والتوترات والصراعات التى تمر بها المنطقة هو انعكاس صريح لعلاقات الفعل ورد الفعل بين روسيا والولايات المتحدة التى تهدف إلى استمرار هـيمنتها على النسق الدولى، متجاهلة مظاهـر التحول التى بـدأت تطرأ عـلى بنيان النظام الدولى الراهـن، الأمر الذى سيؤدى إلى استمرار اختلال التوازن الدولى، خاصة بعـد أن جنت الولايات المتحدة ثمار إنفرادها بالنفـوذ على الساحة الدولية كنتيجة حتمية لتفكك الاتحاد السوفييتى، وانفـراط عـقـد المنظـومة الاشتـراكية لدول شرق ووسط أوروبـا، وضم معظم هذه الدول إلى الاتحاد الأوروبى وإلى حلف الناتو، وهو ما سيؤدى إلى بروز أزمات اجتماعية وسياسية واقـتـصاديـة خـطـيـرة خاصة فى منطقة الشرق الأوسط وفى القلب منها المنطقة العربية.

أما التحدى الأكبر فيكمن فى أن بوصلة العالـم العـربى تتجه إلى حافة أزمة واقعـة لا محالة حول موارد المياه «محدودية الموارد المائيـة ـ الفـقـر المائى»، إذ يُعـتـبـر الأمن المائـى هـو التحدى الأعـظم أمام دول العالـم العـربى، حتى تلك الدول التى تجـرى فى أرضها الأنهار الفيضيـة، ذلك أن مياه هذه الأنهار تأتى جميعـها من خارج العالـم العـربى، ويتعـيـن أن يُوضع فى جميع الحسابات الاستراتيجية أن هذه الأزمة ستزداد حدة فى غـياب التنسيق والتعاون لإحداث التكامل الاقـتصادى بيـن الدول العربية.

أما المتغيـر العـربى الذى يشكل تحدياً مؤثراً على العالم العـربى فيتمثل فى إستمرار ضعـف أداء المنظمة العـربية، الأمر الذى يبرر اكتفاء الدكتور نبيل العربى بفترة واحدة فى منصب الأمين العام، والبحث عن آخـرلشغل هذا المنصب المهم، ومن الطبيعى أن يكون من يشغل هذا المنصب عربياً عروبياً مؤمناً بفكرة القومية العـربيـة، ومن الطبيعى أيضاً أن يكون مدركاً إدراكاً تاماً بالواقع العـربى الراهن، وتطوراتـه خاصة التحديات والتهديـدات التى تواجه العالم العربى، وأن يكون ذا بصيرة وفكر إبداعى يُـؤهله لتقـديم المبادرات اللازمة للتعامل مع هذه المخاطر، ووضع الخطط والسيناريوهات والبدائل المناسبة لإنجاح هذه المبادرات حسبما تقتضى المصلحة العـربية العـليــا، خاصة صيانـة الأمن الجماعى العـربى، ولكى يتمكن من إعادة هيكلة وتشكيل وتطويـر المنظمة بما يكفل اضطلاعها بمسئولياتها التاريخية والقومية تجاه العالم العـربى، مع ضرورة تأسيس مركز للدراسات الإستراتيجية على مستوى عالمى، وتشكيـل مجلس أعلى للأمن والسلم العـربى تكون قراراته ملزمة لأعضائه، ويبدو لى أنه من الأنسب أن تم تعيين السيد أحمد أبو الغـيـط الذى يتمتع بكل هذه الخصائص، والذى عاصـر جميع المتغيرات الدولية والإقليمية وتأثيراتها على المنطقة العربية، ولديه القدرة على تحليلها والتعامل معها.

تلك كانت أبرز التحديات التى تتسق مع واقع «العالم العـربى» الآن، وفى الأسبوع المقبل بإذن الله نتناول التهديدات المؤكدة والمحتملـة التى يُمكن أن تُواجهـه، ثم نتناول بعـد ذلك المستـقـبـل الذى ينبغى أن يتطلع إليه «الوطن العـربى» وهو ما سأتناوله فى المقالات المقبلة بإذن الله.

 أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد