رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مرافعة تاريخية أخرى

مرافعة مصر التاريخية أمام «محكمة العدل الدولية»، صباح أمس الأربعاء، بشأن الممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، سبقتها مرافعة تاريخية أخرى، قدمها الوفد المصرى لدى الأمم المتحدة، مساء أمس الأول الثلاثاء، أمام «مجلس الأمن»، ردًا على استخدام الولايات المتحدة، للمرة الثالثة، حق النقض، «الفيتو»، لإجهاض مشروع قرار تقدمت به الجزائر، نيابة عن المجموعة العربية، يطالب بوقف فورى ودائم لإطلاق النار، فى قطاع غزة، لأسباب إنسانية.

حصل مشروع القرار العربى على تأييد ١٣ صوتًا، من الدول الـ١٥ الأعضاء فى مجلس الأمن، بينما امتنعت بريطانيا عن التصويت. وبقدر العرفان للجزائر، العضو العربى بالمجلس، على تقديم مشروع القرار، وبقدر الامتنان لكل من أيّد مشروع القرار، عبّر الوفد المصرى عن المزيد من الإحباط وخيبة الأمل إزاء استمرار عرقلة الولايات المتحدة مساعى وقف إطلاق النار، ومنعها الجهاز الرئيسى المنوط به حفظ السلم والأمن الدوليين من الاضطلاع بواجباته، متسائلًا: كيف يستقيم أن تتم دعوتنا إلى مجتمع دولى قائم على القواعد، بينما لا نلقى سوى الآذان الصماء، عندما نطالب بتطبيق تلك القواعد؟!

مشروع القرار العربى، الذى أجهضه «الفيتو» الأمريكى، كان يطالب، أيضًا، بالامتثال للإجراءات المؤقتة التى أمرت بها محكمة العدل الدولية، ويرفض التهجير القسرى للفلسطينيين خارج أراضيهم، ويدعو إلى رفع كل الحواجز أمام تقديم المساعدات الإنسانية، و... و... وفى محاولة لتبرير إجهاض مشروع القرار، قالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة إن بلادها تعمل مع مصر وقطر على إطلاق «جميع الرهائن»، زاعمة أن ذلك «سيساعد فى تهيئة الظروف لوقف دائم للأعمال العدائية»! 

ردًا على هذا الزعم، أو تفنيدًا لذلك التبرير، ناشدت مصر، بلسان وفدها لدى الأمم المتحدة، مجلس الأمن وكل القوى الدولية، إنفاذ خيار السلام، عبر الوقف الفورى لإطلاق النار، مؤكدة أن هذا لن يعرقل جهود الوساطة الجارية، بل سيتيح الظروف المناسبة لإنجاحها. وأوضحت: «دعونا نتفاوض ونتوسط وسط انسياب المساعدات الإنسانية واستعادة الهدوء وتضميد جراح المصابين، خاصة الأطفال اليتامى والنساء الثكلى، بدلًا من أن نتفاوض وسط الدمار والخراب، الذى تخلفه آلة الحرب الإسرائيلية المدمرة».

استكمالًا لهذه المرافعة التاريخية، أعربت مصر، أيضًا، عن رفضها، وأسفها البالغ، لعجز مجلس الأمن، مجددًا، عن إصدار قرار يقضى بالوقف الفورى لإطلاق النار فى قطاع غزة، على خلفية استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض، للمرة الثالثة. وفى البيان الصادر عن وزارة الخارجية، استنكرت مصر، بشدة، ما يمثله المشهد الدولى من انتقائية وازدواجية فى معايير التعامل مع الحروب والنزاعات المسلحة فى مناطق مختلفة من العالم، لافتة إلى أن ذلك بات يشكك فى مصداقية قواعد وآليات عمل المنظومة الدولية الراهنة، خاصة مجلس الأمن الموكل إليه مسئولية منع وتسوية النزاعات ووقف الحروب.

بوضوح أكثر، اعتبرت مصر أن إعاقة صدور قرار يطالب بوقف إطلاق النار فى نزاع مسلح ذهب ضحيته أكثر من ٢٩ ألف مدنى، معظمهم من الأطفال والنساء، يُعد سابقةً مشينةً فى تاريخ تعامل مجلس الأمن مع النزاعات المسلحة والحروب على مر التاريخ، الأمر الذى يترتب عليه مسئولية أخلاقية وإنسانية عن استمرار سقوط الضحايا من المدنيين الفلسطينيين، واستمرار معاناتهم اليومية تحت نير القصف الإسرائيلى. كما أكدت مصر أنها سوف تستمر فى المطالبة بالوقف الفورى لإطلاق النار، وفى بذل أقصى الجهود؛ لضمان إنفاذ المساعدات الإنسانية بشكل مستدام، ورفض أى إجراءات من شأنها الدفع نحو تهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم، بما فى ذلك رفض أى عمليات عسكرية إسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية.

.. وأخيرًا، كان نداء مصر لكل الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة واضحًا وبسيطًا: «أوقفوا إطلاق النار الآن، Ceasefire Now»، راجيةً ألا يخطئ أى طرف، مجددًا، إدراك هذه الرسالة النبيلة والمباشرة، التى لا تهدف سوى لحماية المدنيين دون حسابات سياسية. كما حذرت، أيضًا، فى ختام مرافعتها التاريخية، من المخاطر الكارثية والمحدقة بالأشقاء الفلسطينيين جراء الخطط الإسرائيلية المعلنة لاقتحام مدينة رفح، وحذرت، أيضًا، من استمرار تدهور الوضع الإقليمى جراء استمرار هذه الحرب المدمرة.