رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في حب الشيخ حسنى وأبوسويلم وعتريس.. كل ما هو مبدع محمود

كل ما هو مبدع محمود
كل ما هو مبدع محمود

فى العام ١٩٤٦ وبينما كان العالم كله ينفض غبار حرب عالمية ضروس أرّقته لمدة ٦ سنوات.. كان هناك فى مصر ممثل شاب اسمه محمود المليجى فى أواخر الثلاثينيات يطوى استديوهات قاهرة المعز ليشخص فيها ١٣ دورًا مختلفًا فى ١٣ فيلمًا صورها خلال ذلك العام فقط.

وفى تلك الأثناء كان قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية قد أعلن عن تخرج دفعة جديدة من خيرة شباب العاصمة الثانية من بينهم شاب طموح اسمه أيضًا محمود وأبوه اسمه مرسى فى الثالثة والعشرين من عمره.

كما كانت الإسكندرية على موعد مع محمود ثالث فى نفس اللحظة، عندما دوت صرخة مولود جديد فى شارع «طموم» بحى الورديان الشعبى المتشرب بروح الإسكندرية القديمة.. سماه والده للمصادفة محمود أيضًا. 

ومنذ تلك اللحظة كتب على جبين هذا الوطن أن يحمل بين جنباته ثلاث مواهب متفردة فى الأداء التمثيلى المبهر الذى لا يتكرر إلا بفعل مصادفات قدرية إعجازية.. وأصبح لدينا ٣ «محمود».. 

محمود المليجى ومحمود مرسى ومحمود عبدالعزيز.

المليجى استمر تدفق إبداعه الذى لا ينضب خلال الخمسينيات والستينيات، بينما كان مرسى فى نفس الفترة تقريبًا يطوف أوروبا كأى شاب حالم يبحث عن ذاته ويدرس الإخراج السينمائى، ثم يلتحق مذيعًا بـ«بى بى سى» حتى العدوان الثلاثى ليعود إلى أرض الوطن مخرجًا بالتليفزيون المصرى الوليد ومدرسًا للتمثيل، حتى بدأ أولى خطواته السينمائية سنة ١٩٦٢، وأثناء رحلة المحمودين فى هذين العقدين كانت جذوة الموهبة عند الطفل والمراهق محمود عبدالعزيز ما زالت فى طور التسوية على نار الإسكندرية الهادئة.

وفى نهاية الستينيات حصل الشاب أخيرًا على بكالوريوس الزراعة من جامعة الإسكندرية، وبدأ يفكر مفتتح السبعينيات فى أضواء القاهرة، المدينة الوحيدة التى تستوعب موهبته.

وفى نفس لحظة تفكيره كانت صورة المليجى تعلو واجهات سينمات القاهرة متلبسًا شخصية «محمد أبوسويلم» معلنة عن درة تاج إبداعه وهو فيلم «الأرض». وفى الناحية المقابلة كانت صورة عتريس حبيب فؤادة تعلو السينما الأخرى، لتعلن عن درة أخرى لمحمود مرسى هذه المرة وهى فيلم «شىء من الخوف».

ما إن بدأت السبعينيات خطواتها الأولى حتى أخذ الشاب السكندرى محمود عبدالعزيز قراره وحزم أمتعته ونزل إلى ملعب القاهرة الرحب.. ليبدأ رحلته الإبداعية من خلال أدوار صغيرة فى مبنى ماسبيرو تحت إشراف ورعاية ملك التليفزيون وقتها نور الدمرداش.. انتظارًا لأخذ فرصته ، بينما كان محمود المليجى يرسخ مرحلة القفلة الإبداعية لعمر مر ووصل للمحطة قبل الأخيرة حيث ما بعد الستين.

فى حين تشهد السبعينيات مجموعة أفلام أيقونية لمرسى مثل أغنية «على الممر» و«أبناء الصمت» حتى تأتى سنة ١٩٧٧ بلقاء قدرى بين محمودين من الثلاثة، هما محمود مرسى ومحمود عبدالعزيز على أفيش فيلم «طائر الليل الحزين».

إلى أن جاءت الثمانينيات وبدأ محمود المليجى يضع آخر سطوره الإبداعية ولملم دفاتره على آخر مشهد له من فيلم «أيوب» مع عمر الشريف سنة ٨٣ ليعزز أسطورته بموت تمناه أمام معشوقته الكاميرا.. وفى نفس العام كان محمود الآخر «محمود عبدالعزيز» يتمرد على مرحلة الأفلام الباهتة التى لا تناسب لمعان موهبته وتعتمد على شعره الأصفر وعينيه الملونتين، وقرر أن يحطم قيد اسمه بديل حسين فهمى.. والنتيجة أفلام بقيمة «الخبز المر» و«درب الهوى» و«السادة المرتشون» و«العذراء والشعر الأبيض».. وبدأ الخيط يكر حتى وصل لدرة تاج أعماله «الشيخ حسنى» فى «الكيت كات».

والمفارقة تكتمل بأن يذهب محمود المليجى بعد يومين فقط من احتفال محمود عبدالعزيز بعيد ميلاده الثامن والثلاثين فى سن مقاربة لما كان عليه المليجى سنة ١٩٤٦، يوم أن سمعت الدنيا صوت الساحر ابن الإسكندرية لأول مرة.. وقبل يوم واحد من احتفال محمود مرسى بعيد ميلاده الستين.

هيا بنا نمد أيدينا فى معين الصحافة الورقية لنرى ما يخرج فى أيدينا «وإحنا ونصيبنا».

١ محمود المليجى وفريد شوقى مشروع مؤجل وذكريات سعيدة وتوأمة

«الكواكب» ترصد دون قصد شرارة الحب الأولى مع سناء يونس لتبدأ أنبل قصة زواج سرى عرفها الوسط الفنى

محمود المليجى وفريد شوقى لم يكونا مجرد زميلين فى وسط مهنى واحد.. فقد ضربا مثلًا على صداقة حقيقية كانت، وما زالت، نادرة فى عالم الفن.. ومن الصعب أن تبحث عن حوار صحفى أو تليفزيونى لأى منهما ولا يكون فى جزء منه حديث عن الآخر الغائب، سواء ردًا على سؤال للمذيع أو الصحفى أو يكون بمبادرة منه.. حيث كان الارتباط الإنسانى بين محمود وفريد يصل إلى أن مكتبيهما اللذين يمارسان من خلالهما أعمالهما الإنتاجية متلاصقين فى عمارة واحدة.

و«الكواكب» فى عددها الصادر يوم ٢ يوليو ١٩٧٤ قد وثّقت لقاءً فنيًا بين المليجى وصديقه الأقرب فريد بعد غياب ٣٠ عامًا عن مسرح رمسيس لصاحبه يوسف وهبى ليمثلا معًا مسرحية بعنوان «عيب يا آنسة» 

 

وبالطبع موضوع «الكواكب» كله يدور فى مسار تداعى الذكريات بين وحش الشاشة وشرير الشاشة، كما وصفها محرر الموضوع، لكن المفارقة هنا والتى لم تُكتب فى الموضوع أن تلك المسرحية التى شهدت تلاقى الصديقين، محمود وفريد، بعد غياب ٣٠ سنة مسرح.. شهدت أيضًا بداية أنبل علاقة زواج سرى فى تاريخ السينما المصرية هى زواج محمود المليجى من الممثلة الشابة فى المسرحية سناء يونس، التى رضيت بشرط الزواج دون علم أحد حتى لا يجرح المليجى إحساس زوجته علوية جميل، المرأة الأهم فى حياة المليجى، التى ظل ولاؤه الأول لها منذ زواجهما فى الأربعينيات.

وعندما نصف زيجة محمود المليجى من سناء يونس بالنبل فهذا لم يكن من فراغ، لأن سناء بعد الوفاة المفاجئة للمليجى أثناء تصوير فيلم أيوب.. وجدت نفسها أمام أمرين، إما أن تفشى سرها مع محمود وتطالب بميراثها منه، وحينها ستكون خلفت وعدها معه وجرحت حبيبته علوية وإما أن تكتم الأمر داخلها وتطلب العوض من الله وتتسامح مع لقب العانس الذى التصق بها.. الذى حدث، كما روى الصحفى طارق الشناوى، أنها أجرت معه حوارًا قالت فيه كل شىء بعد وفاة المليجى.. ولكن قبل ميعاد النشر مباشرة اتصلت به بإلحاح وقالت له: «أرجوك لا تنشر حتى أحافظ على السر الذى ائتمننى عليه وأحافظ على كرامة علوية جميل زوجته»، وهو ما حدث فعلًا وماتت علوية دون أن تعرف شيئًا من أمر تلك الزيجة. 

ويكمل «الشناوى» روايته ويقول إنه قابلها قبيل وفاتها وذكرها بالتزامه بوعده لها بعدم نشر حكاية زواجها من المليجى فردت عليه بأسى قائلة: «يا ريتك مسمعتش كلامى وكنت نشرته».

٢ محمود مرسى.. كيف اقتنصت «المصور» حوارًا لعدو الصحافة بالبيجامة

خدعه صديقه ليسجل حوارًا له ويعطيه لابنته الصحفية لتنفرد به

لم يكن أحد من الفنانين يكره الظهور فى الصحافة أكثر من محمود مرسى.. حيث كان يرفض رفضًا تامًا وقاطعًا أن يجلس أمام صحفى يسأله عن أشياء هو يراها حقًا أصيلًا له فقط.. لذلك من الصعوبة أن تجد حوارًا كبيرًا لمحمود مرسى فترة السبعينيات والثمانينيات وهو فى عز تألقه السينمائى ثم التليفزيونى.

والصحافة لم تقصر يومًا فى محاولة اقتحام حصون مرسى المنيعة، لكن كانت دائمًا دفاعاته أقوى.. وبدا أن هناك حربًا خفية بين محمود مرسى والصحافة من كثرة الكر والفر الذى كان يمارسه الصحفيون حتى يقتنصوا حوارًا من الرجل.. ولأن الحرب خدعة، فقد وقع الممثل الكبير فى خديعة صحفية من معسكره الأمنى، فى موقف حكاه هو بنفسه عندما قرر، بملء إرادته، أن يرفع الراية البيضاء لمجلة «المصور» سنة ١٩٩٤ فى حوار صحفى، أو قل انتصارًا صحفيًا، كما اعتبرته «المصور»، على ما يبدو، حيث صيغ العنوان بشكل فيه مباهاة وكان بالنص: «بعد ٢٥ عامًا من الصمت محمود مرسى يتحدث لأول مرة».

حكى محمود مرسى فى بداية الحوار موقفًا ليبرر عدم حبه للصحافة، حيث يقول إنه كان يتحدث مع أحد زملائه الفنانين فى المسلسل، «ولم يذكر اسمه»، وأخذهما الحديث فى سكة فضفضة عن المسلسل وما يناقشه من قضايا.. ثم فوجئ بأن الدردشة مع زميله لم تكن سوى فخ نصبه له ليسجله على شريط كاسيت ويعطيه لابنته التى تعمل صحفية فى مجلة ما، «لم يذكر اسمها»، ليفاجأ محمود بأن ما أفضى به لزميله فى ساعة صفا منشور بالنص فى تلك المجلة على أنه انفراد بالحوار مع محمود مرسى.

 

 

نعود لحوار «المصور» الذى أتى بعد «شوقة»، حيث تحدث فيه محمود مرسى بجديته المعتادة عن القضية الأولى التى يناقشها مسلسل «العائلة» الذى كتبه وحيد حامد وقلب الدنيا فى رمضان ١٩٩٤ وهى الإرهاب، وجاء العنوان الرئيسى على لسان مرسى بمثابة النبوءة التى تحققت فعلًا بعد سنوات حيث قال: «الإرهاب يشنق نفسه الآن ويوشك أن ينتهى» وهو ما حدث فعلًا بعدما بدأ شبح الإرهاب فى الانحسار مع نهاية التسعينيات.

اللافت للنظر صحفيًا فى ذلك الحوار النادر للعبقرى محمود مرسى ليس فى تصريحاته فقط، ولكن فى الهيئة التى ظهر عليها، حيث كان يرتدى نفس البيجاما التى ارتداها فى المسلسل دون أى محاولة تجميل أو تأنق، خاصة أن هذا الحوار بعد غياب عن الصحافة ٢٥ سنة، أى منذ أواخر الستينيات.. وكأن محمود مرسى أراد بهذا الحوار أن يؤكد موقفه الرافض للصحافة والصحفيين، والدليل أنه لم يهتم حتى بجاهزيته الشكلية للحوار مثل باقى الفنانين.

 

٣ محمود عبدالعزيز وحسين فهمى البداية عداء صحفى ثم محبة دائمة

حملة مجلة «الشبكة» اللبنانية على «محمود» لصالح «حسين» لترسيخ فكرة الاستبن التى أصبحت عقدة الساحر

سنة ١٩٧٥ بدأ التجهيز لإنتاج فيلم يُعرض فى ثانى أعياد نصر أكتوبر وبالفعل وقع الاختيار على قصة يوسف السباعى «حتى آخر العمر» ورشح حينها نجم الشباك حسين فهمى لبطولته، لكن حسين بعد تفكير اعتذر فى آخر لحظة عندما أحس بأن الدور صغير بالقياس لمكانته الفنية حينها، حيث كان خارجًا لتوه من فيلم «أميرة حبى أنا» مع سعاد حسنى الذى كوّن معها ثنائيًا كسر مقاييس شباك التذاكر سنة ١٩٧٢ بفيلمهما الأهم «خلى بالك من زوزو».. فما كان من رمسيس نجيب إلا اللجوء لممثل سكندرى صاعد يتشابه فى سماته الشكلية مع حسين فهمى، فكان الدور من نصيب محمود عبدالعزيز الذى يقف لأول مرة أمام الكاميرات كبطل للعمل حتى وإن كان يشاركه البطولة عمر خورشيد.. وأمامه بطولة نسائية نجوى إبراهيم التى كانت بديلة هى الأخرى لجورجينا رزق، ملكة جمال الكون حينها، التى اعتذرت على ما يبدو لاعتذار البطل الأساسى حسين فهمى.

المهم أن خروج هذا الفيلم للنور ونجاحه كان تدشينًا للقب لازم محمود عبدالعزيز وأرّقه كثيرًا وهو «استبن حسين فهمى» وهو لقب رآه محمود مجحفًا لموهبته لحساب شعره الأصفر وعينيه الملونتين، فصارت إن شئت القول «عقدة» لدى ساحر الإسكندرية فى بدايته كان يريد التخلص منها بمحاولة «الفلفصة» من قيود المنتجين الذين يهوون السير بجانب حائط شباك التذاكر الدافئ.. وفعليًا ضاعت السبعينيات على محمود عبدالعزيز وهو يعافر للخروج من ذلك القمقم، الأمر الذى نجح فيه فى الثمانينيات عندما بدأ يقترب من لقب الرجل الأربعينى ويفقد «عياقة» شباب السبعينيات ذى البنطلون الشارلستون والشعر «المسبسب»، وبدا حينها يظهر الوجه الآخر لمحمود عبدالعزيز الوسيم المتمرد على وسامته لنرى ثلاثية «العار» و«الكيف» و«جرى الوحوش» ثم أعماله مع رأفت الميهى و«إعدام ميت» و«البرىء».. كلها أدوار مركبة تحتاج ممثلًا ثقيلًا وليس مجرد موديل له هيئة جميلة. 

وبقى الساحر فى محاولاته الدءوبة لا إراديًا لإثبات خطأ وظلم مقولة «استبن حسين فهمى» حتى خرجت إلى النور تحفة سينمائية خالدة كاملة لا ينقصها شىء وهى فيلم «الكيت كات»، ووصل محمود بهذا الفيلم إلى ذروة فن التشخيص الذى اعتلاه قبل ذلك محمود المليجى فى رائعة «الأرض».

 

مجلة «الشبكة» اللبنانية كان لها دور كبير فى إذكاء شعلة الفتنة بين محمود وحسين بقصد أو دون، بدأتها سنة ١٩٧٧ فى عددها الصادر يوم ١٠ مايو عندما سأل محرر «الشبكة» محمود عبدالعزيز سؤالًا صريحًا يقول: «ما هى قصتك مع حسين فهمى وفيلم (الحب قبل الخبز أحيانًا) وهل حقيقة أن هناك تشابهًا بينكما.. وأنت أصبحت تحل مكانه فى الأفلام؟».

طبعًا السؤال ملتوٍ ومركب لكنه ليس خاطئًا من الناحية الصحفية، لأنه ملىء بالبهارات، يلقيه الصحفى مستفزًا ضيفه ثم ينتظر جنى ثمار ذلك الاستفزاز عناوين حراقة.. لكن خاب مسعى صحفى «الشبكة» هذه المرة، لأن إجابة محمود عبدالعزيز كانت أكثر من عاقلة ولم يسئ من قريب أو بعيد لحسين فهمى، وقال كلامًا دبلوماسيًا يليق بسفير سابق، حيث قال مثلًا: «لا وجه للشبه بيننا سوى لون الشعر والعينين، ولكن أنا لى لونى الذى أتميز به فى العمل.. وهو أيضًا له لونه»،

لكن هل تسكت «الشبكة» عند تلك المحاولة الفاشلة؟ الإجابة لا.

فبعد سنتين من هذا الحوار مع الممثل الشاب الموهوب صاحب المستقبل الباهر طبقًا لأوصاف «الشبكة» فى ذلك الحوار.. تخرج فى عدد ٢٣ أبريل سنة ١٩٧٩ بموضوع مريب ذى رائحة نفاذة تحت عنوان واحد يقول «كلهم يحاربون حسين فهمى» ثم موضوع كبير على صفحتين متقابلتين تتصدره صور شخصية لحسين فهمى ومحمود عبدالعزيز وبينهما مصطفى فهمى، الأخ الأصغر لحسين، الذى كان فنانًا صاعدًا حينها وهو سبب موضوع «الشبكة» أصلًا، حيث كان مصطفى بنزق الشباب قد أطلق تصريحًا يقول إن أخاه حسين حاول تقييد نشاطه الفنى وحان الوقت للتمرد على قيوده.

وعلى الرغم من أن هذا التصريح كان هو سبب ما كتبه الصحفى المجهول فى «الشبكة»، حيث لم يكن الموضوع ممهورًا باسم الكاتب، كما هى العادة.. لكن الكتابة تحولت إلى هجوم غريب ومهين فى الوقت ذاته على الفنان الشاب والصاعد بسرعة الصاروخ محمود عبدالعزيز، صاحب السمات الشكلية القريبة من حسين ومصطفى فهمى من حيث الوسامة والشعر الناعم والعينين الملونتين.

تصور الصحفى مؤامرة كبيرة مدروسة لأشخاص غامضين لمحاربة حسين فهمى، ابن الأكابر، ويستخدمون مصطفى فهمى ومحمود عبدالعزيز وقودًا فى تلك المؤامرة.. وهو تشبيه بالطبع مسىء لموهبة محمود عبدالعزيز ودفع به داخل خناقة أخوية دون مبرر.. ومن الواضح أن الأمر كان متعمدًا ومقصودًا به النيل من الحصان الجامح الجديد ابن الإسكندرية الذى بدأ يزعزع عرش ابن الذوات، والدليل على ذلك فقرة داخل موضوع «الشبكة».. أغلب الظن أن محمود عبدالعزيز لو كان انتبه لها فى ذلك الحين لقاضى صناع «الشبكة». 

ماذا يقول المحرر المجهول؟

يقول بالنص: «لم يقتصر العداء على تجاهل القيم الفنية التى قدمها حسين فهمى بأدائه لتلك الأدوار، بل تركز فى محاولة لخلق هالة مفتعلة وضجة صاخبة حول ممثل صاعد هو محمود عبدالعزيز. ولعب الطرفان لعبتهما المشتركة محمود عبدالعزيز ومحاربو حسين فهمى.. وإذا بمحمود عبدالعزيز رغم ضآلة رصيده الفنى والظروف المريبة والمشينة التى صعد من خلالها، إذا به يتصدر بأخباره وصوره أغلب الصفحات الفنية، واقترن ذلك بإشارات خبيثة إلى احتمالات المنافسة بينه وبين حسين فهمى.

وارتكز أعداء حسين الذين استفزهم اعتزازه بنفسه إلى أن محمود عبدالعزيز هو أيضًا أشقر ووسيم الملامح.. وتجاهلوا الثقافة الفنية لحسين فهمى، وتجاهلوا حضوره الشخصى من ناحية، ومن ناحية أخرى تجاهلوا الاختلاف الحتمى بين شخصين، أحدهما جنتلمان، والآخر بلطجى اكتسب شهرته من كثرة ارتياده علب الليل، وظل حسين فهمى يقاوم فى صمت وترفع حتى استوعب الظاهرة واحتواها. وعلى نحو ما يحدث لأبطال التراجيديا النبلاء نفذوا إلى حسين من قلبه».

بالطبع لا نستطيع أن نجزم أن حسين فهمى كانت له يد فى هذا التقرير المشبوه لـ«الشبكة» فى إطار معركة الدفاع عن المكانة الفنية، لكن المؤكد أن تعبير «بديل حسين فهمى» كان يلاقى داخل نفسه قبولًا ورضًا وشعورًا بالذات.. لكن كعادتها الأيام داوت كل شىء ولم تستمر العقدة طويلًا بعد أن ذابت الحساسيات بين الاثنين عندما وقفا أمام نفس الكاميرا.. حقبة محمود عبدالعزيز الثانية والتى تخلت عنه وسامته لصالح موهبته مثلما حدث فى فيلمين من ثلاثية على عبدالخالق ومحمود أبوزيد الخالدة، هما «العار» و«جرى الوحوش».. وأتت الصداقة بين الاثنين، حسين ومحمود، متأخرة لتتوطد وتصبح صداقة عمر حقيقية نسى فيها الاثنان كل شىء. وظهر عمق العلاقة جليًا بعد موت الساحر وانهيار حسين فهمى فى جنازته، وكانت من المرات القليلة التى لم يراع فيها ابن الذوات حسين فهمى قواعد المظاهر وترك عينيه تذرف الدموع على عمر فنى سوف يدفن حالًا بجوار محمود عبدالعزيز فى قبره.