رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الشارقة والدور المفقود فى الثقافة العربية

قبل سنوات سألتنى صديقة سويدية عن تفضيلاتى لأهم الكتاب المصريين، غير نجيب محفوظ، الذى كانت بالفعل قد قرأت له، فحكيت لها بالطبع عن صبرى موسى وعبدالحكيم قاسم ويوسف إدريس وفتحى غانم، عن أحمد عبدالمعطى حجازى وحلمى سالم، وعن مستجاب وأصلان وخيرى شلبى، وغيرهم من كبار الكتاب، ومن الشبان وقتها.. فى القصة والرواية والشعر، ولكنها عندما سألتنى عن إمكانية الحصول على ترجمات لأعمالهم، أو من منهم تمت ترجمة كتاباته إلى أى لغات أخرى؟ لم أعرف بماذا أجيبها، أو قل احترت فى الإجابة.

أعرف عن بعض ترجمات رواية «فساد الأمكنة» لأستاذى صبرى موسى إلى الإنجليزية والإيطالية بحكم القرب منه لسنوات طويلة، وعدد من مجموعات إدريس القصصية، لكننى لا أعرف هل تمت ترجمة أى من أعمال عبدالحكيم قاسم، الذى قضى معظم عمره فى ألمانيا، أو ما الأعمال التى سبقت ترجمتها لمحمد مستجاب، أو خيرى شلبى، أو غيرهم من كبار الحياة الثقافية فى مصر، خصوصًا مع معرفتى بمحدودية الجهات التى تهتم بترجمة الأدب العربى إلى لغات أخرى، ومحدودية الدوائر التى يتحرك فيها المهتمون بتلك الترجمات، سواء فى الجامعة الأمريكية، أو المراكز الثقافية العاملة فى مصر، أو حتى الهيئة العامة للكتاب التى نشطت لفترة فى ترجمة مختارات من الأدب العربى إلى اللغة الإنجليزية، وأظن أنها عملية كانت تتم وفقًا لاعتبارات أو تقييمات أشخاص من نهضوا بها، ولا أظن أنهم كانوا يزيدون عن شخصى الدكتور ماهر شفيق فريد، والدكتور محمد عنانى، ولكل منهما ذائقته واختياراته التى لم تكن تتسع لمجمل الحياة الثقافية المصرية.

ربما كان ذلك هو السبب فى أننى تابعت باهتمام بالغ الجولة التى قام بها أحمد بن ركاض العامرى، رئيس هيئة الشارقة للكتاب منذ أيام بين مكتبة الكونجرس الأمريكى وعدد من الفعاليات الثقافية فى الولايات المتحدة على هامش مشاركة الهيئة فى «مهرجان الكتاب الوطنى» الذى نظمته مكتبة الكونجرس، والاتفاقيات التى تمت خلال تلك الجولة، على أن أهم ما توقفت أمامه كانت الاتفاقية الخاصة بترجمة الآداب العربية إلى اللغة الإنجليزية، والعمل على نشر الثقافة العربية فى أقصى الغرب، وهو الدور الغائب أو المحدود بدرجة كبيرة فى وطننا العربى، والذى تتصدى له «الشارقة» برؤية واضحة، وجهود لا تكل، ظهر ذلك بوضوح فى تصريح العامرى، الذى قال فيه إن «الشارقة تحمل على المستوى المحلى والعربى مسئولية دعم الكتاب والنهوض بصناعته، وعلى المستوى الدولى والعالمى تعد حلقة الوصل والبوابة التى تتواصل فيها الثقافة العربية مع نظيرتها فى العالم، ننظر إلى الثقافة ليس بوصفها مساحة للإبداع والتأمل والإنتاج المعرفى وحسب، إنما بوصفها مسارًا لتجسيد عمق هويتنا، وتشكيل علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخر، فهى بوابة للحوار بين ثقافتنا ومختلف ثقافات العالم».

على أن اهتمام ورعاية إمارة الشارقة للثقافة والأدب لا يتوقف عند حدود مشروعات الترجمة الأدبية فقط، بل يمتد إلى مساحات كبيرة، وغير مسبوقة، فقبلها بأيام كانت القاهرة تحتفل بملتقى الشارقة للسرد العربى، الذى احتضنته قاعات المجلس الأعلى للثقافة، وشاركت فيه أطياف المشهد الأدبى فى مصر والعالم العربى، لتنطلق بعده الفعاليات التى تشرف عليها «دائرة الثقافة بالشارقة» برئاسة عبدالله بن محمد العويس، فى مختلف العواصم العربية، من ملتقى التكريم الثقافى فى الرباط، إلى مهرجان الشعر العربى فى الخرطوم، ومهرجان بيت الشعر العربى فى القيروان التونسية، وغيرها من الفعاليات الثقافية النشطة والمتواصلة، ما يضع الإمارة فى قلب المشهد الثقافى فى المنطقة، خصوصًا أنها أول من أقام معرضًا دوليًا للكتاب فى الخليج، ومهرجانًا سنويًا للمسرح، ومهرجانًا سنويًا لثقافة الطفل، ومراكز ثقافية للأطفال فى مختلف أنحاء المدينة، يتزامن ذلك مع عناية كبيرة بالنشر الثقافى، حتى إن إحدى الجوائز التى تمنحها منظمة «اليونيسكو» تحمل اسم الشارقة، وتقدّم للباحثين العرب والأجانب نظير إسهاماتهم المتميزة فى التعريف بالثقافة العربية، والكشف عن كنوزها الثرية.

الحقيقة أن غالبية الدول العربية تقوم بأدوار فاعلة فى رعاية النشر والترجمة، ودعم النهضة الثقافية فى جميع المجالات، لكنها فى الغالب جهود محلية، لا تتخطى حدودها الجغرافية، أو حدود مواطنيها، يغيب عنها البُعد الإقليمى، ووحدة اللغة كمحدد رئيسى يمكنه أن يجمعنا على كتاب واحد، أو فى صالة عرض واحدة، تجمعنا فى منتج ثقافى معرفى واحد، نفهم محتواه جيدًا، ونعرف أسراره جيدًا، ونستمتع به بنفس الدرجة، وفى نفس الوقت، وهو الدور الذى يبدو أن «إمارة الشارقة» قد نهضت به بالفعل، وانفردت بالتغريد فيه لسنوات طويلة، ومتواصلة، دون تردد، أو تباطؤ، أو انقطاع بعناية مباشرة، ودعم قوى من حاكمها المثقف الكبير، الشيخ سلطان بن محمد القاسمى.. والأمل أن يستمر هذا الجهد، وأن يلحق به باقى الدول العربية، ومصر فى القلب منها بالطبع، فهى السباقة دائمًا، وحاضنة الإبداع والأدب والفكر والثقافة منذ فجر التاريخ، وإلى أن يرث الله الأرض.