رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإلحاد كناتج لتيارات العنف الأصولى

الإلحاد له أسباب عديدة، منها الفكرى والفلسفى، ومنها العلمى والتاريخى، ولعل من أبلغ مسببات الإلحاد فى العصر الحالى هى تيارات أصولية تظن أنها وحدها الناجية فى الدنيا والآخرة، ومن سواها لا يستحقون الحياة أصلًا فى الدنيا إلا وهم خاضعون لفرقتها الناجية المزعومة، التى تمثل الله المتجسد فى تنظيماتها الإرهابية.

فآثار الجماعات التى تدعو للدين بالعنف والقتل بالغة الأثر على تشويه الظاهرة الدينية ككل، والإسلامية بشكل خاص، حيث إن فكرة قتل المختلف دينيًا وُلدت من رحم التيارات الأصولية، التى تتوهم أنها تحتكر الحقيقة المطلقة، وهى المتحدث الرسمى الأوحد باسم الإله، ومن دونها لا يستحقون الحياة إلا تابعين أذلاء لها.

وكنتيجة لتلك التيارات الإجرامية، يوضع الفكر الدينى كله تحت مجهر الفحص والشك، ولذا يهتم الكثير من الصادقين بفحص سلوكيات تلك الجماعات ومقارنتها بالممارسة التاريخية لهذا الدين، أو ذاك الدين، وأكثر من يهتم بذلك الشباب الذين تشتعل فيهم الرغبة فى المغامرة والاكتشاف.

فتكون نتيجة هذه الممارسات البشعة، من قتل الآلاف من كل الأديان وسبى النساء واغتصابهن، غير نساء الأهل والعشيرة، دافعًا شديدًا لوضع الظاهرة الدينية كلها فى قفص الاتهام، فعشرات الحوادث تتكرر شرقًا وغربًا من قتل جنودنا البواسل، وهم يفطرون فى رمضان، وتفجير مسجد للصوفية أثناء صلاة الجمعة بسيناء الغالية، ولا ننسى حرق الطيار الأردنى حيًا أمام سمع العالم وبصره، وقتل إخواننا المسيحيين أمام الكاميرات.

كذلك، والعالم كله يشاهد ذلك، لا ننسى اغتصاب بعض نساء العراق الإيزيديات واستخدامهن جنسيًا بحجة أنهن سبايا وملك يمين، كما تقول بذلك ثقافة العصور الوسطى، هذا غير مئات الاغتيالات والتفجيرات فى كل أنحاء كوكبنا، حتى أصبحت سمعة ديننا الإسلامى ثتير الخوف والإرهاب عند معظم الناس، بمن فيهم المسلمون الطيبون.

حتى أصبح الناس فى المطارات حول العالم ينظرون بعين الريبة والشك لمن له ملامح عربية إسلامية، ولو سمعوه يقول مجرد «الله أكبر» يتوجسون منه خيفة.

كل تلك التطورات جعلت الناس، كل الناس، خصوصًا أبناء الثقافة الإسلامية العربية، يضعون الدين الإسلامى موضع تساؤل فى المجال العام، وكان سابقًا لا يتساءل تلك الأسئلة الوجودية الكبرى إلا المختصون والمفكرون والمثقفون المهتمون بالظاهرة الدينية فقط، فلا نجد ملحدين إلا الواحد بعد الواحد، كالدكتور الناقد المصرى إسماعيل أدهم، أو الأديب الشيخ السعودى عبدالله القصيمى، أو الفيلسوف السورى صادق جلال العظم.

ولكن بفضل تيارات الإرهاب الأصولى أصبحت الأسئلة عامة مبتذلة على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعى صبح مساء، وتهم الصغير والكبير والجاهل والمتعلم.

والحقيقة، رغم القلق وعدم اليقين الكامن فى هذه الظاهرة الجديدة التى تنظر بعين التأمل والنقد للفكر الدينى الموروث من مئات السنين، فإنها تحوى خيرًا كثيرًا يدعو الناس لمراجعة ونقد الموروث الثقافى الذى ورثناه دون حول منا ولا قوة عن أجدادنا الأولين.

وهذه الفكرة هى جوهر أى نهضة حقيقية، فالتعريف بأهمية النقد الفكرى والثقافى والدينى هو أساس الثورة العلمية والفكرية والإبداعية، وكذلك الأديان والفلسفات الوليدة كلها- قبل تكلسها وتحولها لكهنوت بغيض جامد عنيف- تدعو الناس للتفكير الحر المبدع، ومحاولة الاصطفاء الخلقى والإنسانى، وترك العوائد والموروثات، فنجد العديد من الأديان يندد بالاتباع الأعمى لمذهب الآباء والأجداد، والدعوة للنظر الحر المبدع، وهى دعوة جميلة لا بد لنا من نشرها، لكن مع ترشيدها بحيث لا تأخذنا فورة الشباب وعنفوانه لترك الجميل من الموروث، ولو كان قليلًا أو كثيرًا.

ونحاول جميعًا معًا استبقاء الجميل والنافع والعقلانى والإنسانى، ونبذ كل ما هو خلاف ذلك من القديم والجديد مما اعتنقه الأجداد، أو ما سيعتنقه حتى الأحفاد على حد السواء.