رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار 3.. بين الواقع والخيال «13»

رسائل الاختيار للمصريين

الرئيس السيسى ألغى المسافة التى كانت تفصل الرئيس عن الشعب والتى أجاد الإخوان اللعب فيها 

«الاختيار» ليس احتكارًا من الدولة للتاريخ ولكنه رد على تزوير الإخوان للتاريخ والذى جندت له إمكانات مالية مهولة 

من رسائل الحلقة الـ١٤ المهمة اعتراف القوات المسلحة بشرعية مرسى وتمنياتها أن يكون رئيسًا لكل المصريين 

جزء من ارتباك الإخوان إزاء مسلسل «الاختيار» أنه مسلسل غير تقليدى.. يلغى المسافة بين رأس السلطة وبين الناس.. هذه المسافة أجاد الإخوان اللعب فيها كثيرًا.. بالحق حينًا وبالباطل أحيانًا.. لعبوا هذه اللعبة مع كل رؤساء مصر باستثناء جمال عبدالناصر الذى هزمهم فى لعبة الوصول للناس.. مع السادات لعبوا لعبة التشويه والشيطنة عقب انفضاض تحالفهم معه.. كان الدعاة المنتمون للجماعة ينسجون حكايات أسطورية عن حياة السادات ولم يكن هناك أى شىء منها حقيقيًا.. الشيخ أحمد المحلاوى، عضو الجماعة وخطيب مسجد القائد إبراهيم، كان موكلًا بهذه المهمة.. حدث الناس مرة عن قصر أسطورى يسكن فيه السادات فى أسوان، فخرج السادات يدافع عن نفسه وقال إن استراحة الرئاسة فى أسوان كانت استراحة لمفتش الرى الذى يزور المحافظة وإنها استراحة عادية استخدمتها رئاسة الجمهورية بعد ٢٣ يوليو.. لعب الإخوان هذه اللعبة كثيرًا وكانت تصيب مرات وتخيب مرات.. كانوا يلعبون أيضًا على انعزال الرئيس مبارك اجتماعيًا.. وانخراطه فى أوساط رجال الأعمال المكروهين غالبًا من الناس.. ومظاهر الحياة الغربية التى أشاع الإخوان أنه يحيط بها نفسه.. وبعض ملامح الصلف والغرور التى قد تتسرب من مظهر المحيطين به حتى لو لم يكن جوهرهم كذلك.. بنى الإخوان سورًا بين السلطة والناس ولعبوا هم دور الوسيط أو الطبقة العازلة.. السيسى رئيس مختلف.. يدرك أبعاد اللعبة، يشبه الناس بالفعل.. أصله من أسرة عريقة من أبناء البلد فى الجمالية.. وحياته عادية.. وأسرته تشبه الأسر المصرية وهو يخاطب الناس مباشرة دون وسطاء ولا كهان.. يتحدث ببساطة وصدق.. ولديه رغبة دائمة فى أن يعرف الناس ما حدث بكل وضوح.. طبيعى جدًا أن يكون أول رئيس تظهر شخصيته على الشاشة.. لأنه أولًا يريد أن يلغى المسافة التى يلعب فيها الإخوان بين الرئيس وبين الناس.. ولأنه ثانيًا كان طرفًا فى تحول تاريخى كانت مصر فيه بين مصيرين أحدهما مر جدًا.. ولأنه ثالثًا يريد أن يروى شهادته على الأحداث كطرف فيها بعد أن روج الإخوان شهادات مغلوطة وقصصًا أسطورية أخفوا فيها غباءهم كجماعة غير مؤهلة للحكم، وانتحلوا صفات أبطال الملاحم الإغريقية التراجيدية.. وقد فعلوا ذلك عبر إمكانات كبيرة جدًا وميزانيات تفوق ميزانية مسلسل «الاختيار» بكثير جدًا.. لقد عملوا منذ ٢٠١٣ وحتى وقت قريب بميزانيات مفتوحة وجندت لهم قنوات ومواقع وصفحات وإعلاميون ومأجورون من نيوريوك إلى تركيا إلى غيرها هنا وهناك.. وبالتالى فالاختيار ليس تعبيرًا عن احتكار الدولة لرواية التاريخ باستخدام أموال الناس.. ولكنه رد الدولة المصرية على رواية الإخوان للتاريخ باستخدام أموال مخابرات هذه الدولة أو تلك.. وبين الاثنين فارق كبير.. هذا الفهم هو الذى يجعلك تتعاطى مع حلقات «الاختيار» بقدر من الموضوعية والفهم واستعادة الذكريات المرة ومشاعر القلق التى كانت تعصف بك فى الشهر الثامن من حكم الإخوان.. حيث تغطى الحلقة الرابعة عشرة من «الاختيار» الأحداث التى وقعت فى شهرى مارس وأبريل تقريبًا، وهما شهران كانت رحلة الإخوان فيهما تقترب من نهايتها.. فقد انفجرت الأحداث الدامية فى مدن القناة انطلاقًا من بورسعيد، وكان خمسون شخصًا فى مصادمات ذات طبيعة احتجاجية وظهرت دعوات قوية للعصيان المدنى، وظهر مرسى ليخطب خطابًا عنتريًا يمتلئ صوته فيه بنبرات القوة ويقول: «إذا اضطررت سأفعل وها أنا أفعل»! وأعلن بعده حظر التجول فى مدينة بورسعيد، لكن الناس ملأوا شوارع بورسعيد بعد دقائق من خطابه فى دلالة لا تخفى على أحد وفى إشارة للفارق بين ادعاء القوة وبين امتلاك أدوات القوة على الأرض.. دخل الإخوان فى شقاق مع كل مكونات المجتمع المصرى.. القضاة والإعلام والكنيسة والأزهر والقوى المدنية والمثقفين.. ودعا الإخوان لحوار وطنى قاطعته كل القوى السياسية المدنية.. وجاءنى خبر المقاطعة وأنا أفكر فى «مانشيت» جريدة الصباح اليومية.. وقفز إلى ذهنى على الفور تصريح للزعيم سعد زغلول كان يعلق فيه على تفاوض عدلى يكن مع جورج الخامس، ملك إنجلترا، حول القضية المصرية.. إذ علق سعد قائلًا إن «جورج الخامس يفاوض جورج الخامس»، وكان يعنى أن الموقف السياسى لكلا الرجلين واحد من القضية المصرية.. ورغم اختلاف السياق إلا أننى كتبت عنوانًا للصفحة الأولى يختصر مقاطعة المصريين للحوار فى عنوان «مرسى يحاور مرسى».. وقد شاع العنوان وانتشر وسرقه بعضهم ونسبه لنفسه وكأنه من بنات أفكاره.. كانت أيام مليئة بالقلق على مصر.. وبالأمل فى ظهور بديل لحالة التردى السياسى التى سيطرت على البلاد، وأظن أن شهرى مارس وأبريل تحديدًا هما اللذان برزت فيهما فكرة تدخل القوات المسلحة لضبط الأمور فى البلاد وإن كانت صيغة هذا التدخل قد أخذت بعض الوقت لتنضج.. حيث تظهر أحداث الحلقة الرابعة عشرة وقائع اجتماع مصغر بين وزير الدفاع ومجموعة من رجاله يعلن فيه وزير الدفاع قلقه من الوضع السياسى الذى يصفه بأنه «مربك» حيث لا يعرف أحد من الذى يحكم البلاد.. وهل هو الرئيس مرسى؟ أم مكتب الإرشاد؟ أم خيرت الشاطر؟.. ويصارح وزير الدفاع رجاله بأنه بات من المؤكد لديه أن من يحكم ليس الرئيس مرسى وأن القرارات التى يتخذها تُملى عليه.. وأن جماعة الإخوان كشفت نفسها ودخلت فى مواجهة عنيفة مع كل القوى الوطنية.. فى هذا الاجتماع يصارح السيسى رجاله بأنه من المستحيل أن تقف القوات المسلحة صامتة إزاء تدهور الوضع كل يوم.. فى الاجتماع يطرح القادة ثلاثة أخطار تهدد البلاد.. أولها هو خلط ميليشيات الإخوان بين دورها ودور مؤسسات الدولة المختلفة واعتقاد الإخوان أنهم هم الحكومة.. وثانيها خطر الحرب الأهلية الذى يهدد البلاد.. وثالثها ما طرحه اللواء عباس كامل من استمرار إساءات الإخوان للجيش المصرى وقيادات القوات المسلحة.. فى وقائع الاجتماع كما ظهرت فى المسلسل نقرأ رسالة مهمة للغاية، وهى اعتراف وزير الدفاع والقوات المسلحة بشرعية الرئيس محمد مرسى ومطالبتها له على لسان وزير الدفاع بأن يكون رئيسًا لكل المصريين.. والمعنى هنا أن القوات المسلحة قد تعترف بشرعية رئيس مصرى ينتمى للجماعة لأن الانتخابات جاءت به.. لكنها بكل تأكيد تعترض على أن يحكم مصر أعضاء مكتب الإرشاد أو خيرت الشاطر دون صفة رسمية تخول لهم ذلك.. فضلًا طبعًا عن الشكوك التى تحولت لحقائق حول تحالفات الجماعة مع جهات معادية للأمن القومى المصرى.. فى هذا الاجتماع كما فى غيره ضمن أحداث المسلسل ثمة تأكيد على مطالبة مرسى بأن يكون رئيسًا لكل المصريين وألا يكون رئيسًا للإخوان فقط.. لكن هذا كان طلبًا مستحيلًا من محمد مرسى الذى تربى على أن يكون جنديًا مطيعًا لمرشده وأن تكون علاقته به كعلاقة «الميت بين يدى مغسله» وفق تعليمات مؤسس الجماعة حسن البنا.. وهكذا فإن القوات المسلحة حتى شهر مارس كانت فى مرحلة إبداء النصح والمشورة.. وكانت تطلب من محمد مرسى أن يكون رئيسًا لكل المصريين، وهو ما لم يكن هو نفسه يريده وإن أراده لم يكن ليقدر عليه.