رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار ٣.. بين الواقع والخيال «١٢»

درس الجيش المصرى للإخوان

حالة العمى السياسى لدى الجماعة صورت لها أنها تستطيع تدمير مؤسسات الدولة الوطنية وأن هذا من حقها 

عداء الإخوان للجيش المصرى سببه عداؤهم لفكرة الوطنية التى يجسدها الجيش المصرى واعتقادهم أن الولاء يجب أن يكون للخلافة 

سعى الإخوان لاستيراد فكرة الحرس الثورى معناه عدم فهمهم للتاريخ ولا لعلاقة الجيش بالشعب فى مصر وهى مختلفة تمامًا عن الواقع فى الدولة التى ظهر فيها الحرس الثورى 

لقاء وزير الدفاع مع محمد مرسى درس بليغ فى الحفاظ على هيبة الجيش المصرى وكرامته لم يستوعبه الإخوان 

إذا كانت حلقات الاختيار ١و٢ هى حلقات تجسيد البطولات، فإن حلقات الاختيار ٣ هى حلقات كشف الخيانات.. إنها حلقات كاشفة للفارق بين الأصل والصورة.. أما الأصل فهو حقيقة الإخوان كجماعة براجماتية نفعية هدفها الوصول للسلطة وتحقيق المصلحة.. أما الصورة فهى صورة خيالية يرتدى فيها قادة الجماعة أزياء أبى زيد الهلالى سلامة ويظهرون كأبطال ملحميين مثاليين.. تعرضوا للخيانة والغدر.. بينما الحقيقة أنهم أصل الخيانة.. ومنبع الغدر.. تجسد الحلقة الثانية عشرة من الاختيار بداية تكون الغضب فى صدر الجيش المصرى وقائده العام.. ومع الغضب كان هناك الاحتقار لنية الغدر التى تضمرها الجماعة.. أما الأحداث فقد عاصرناها وكنا نتابعها على مدار الساعة، حيث أدركنا أنها ليست حوادث عادية بقدر ما هى خطوات على طريق تغيير كبير ستشهده مصر، إن عاجلًا أو آجلًا.. وإن كان فشل الإخوان وقلة رشدهم جعلنا جميعًا ندرك أن النهاية باتت وشيكة بأكثر مما يتوقع أحد.. إن أهم ما تجسده الحلقة الثانية عشرة من الاختيار ٣ هو حالة العمى السياسى التى أصابت الإخوان وذلك الإحساس الكاذب بالقوة الذى ملأ نفوسهم وجعلهم يتخيلون أنهم يمكن أن يصارعوا مؤسسات القوة فى مصر وأن يشوهوا صورتها ويسيئوا إليها دون سند من قوة أو من قانون.. والحق أنهم فى ذلك كانوا يستجيبون لحقيقة فى داخلهم تدفعهم لكراهية الجيش المصرى الذى يجسد فكرة الولاء للوطن.. فى وقت لا يعترف فيه الإخوان بالوطن ويرون أن دولة الخلافة هى البديل له.. كانوا أيضًا يتحسسون صفعة قديمة تلقوها فى يوليو ١٩٥٢ حين مد الجيش يده لينقذ البلاد من فم الجماعة التى كانت تظن أن مصر أصبحت لقمة سائغة لها بعد انهيار الوضع السياسى وتدهور الحالة الأمنية فى أعقاب حريق القاهرة.. إن أهم ما ترصده الحلقة هو تتبع المخابرات المصرية لدخول مسئول أمنى من دولة إسلامية لمصر ليقابل عصام حداد مستشار محمد مرسى للشئون الخارجية، وكان الهدف الاستفادة من خبرة الرجل فى تأسيس ميليشيات مسلحة تابعة للإخوان تحمل اسم «الحرس الثورى» وكان من علامات غفلة الإخوان أن الحرس الثورى فى البلد الذى ظهر فيه ظهر على أنقاض الجيش الوطنى لتلك الدولة لاعتبارات ليس هنا المجال لشرحها.. وهو وضع مختلف تمامًا عن وضع الجيش المصرى الذى حمى المتظاهرين فى ثورة يناير وكان موجودًا فى الشارع المصرى منذ أول لحظة لآخر لحظة ولم تتأثر قوته رغم تعرضه للتشويه أثناء إدارته الفترة الانتقالية.. وهى قصة تختلف تمامًا عن قصة البلاد التى ظهر فيها الحرس الثورى.. وكان من علامات غفلة الإخوان أنهم أرادوا فى ٢٠١٣ تكرار قصة تأسيس النظام الخاص فى منتصف الثلاثينيات، حيث كان يتم انتقاء العناصر العنيفة من أعضاء فرق الجوالة الإخوانية لضمها للتنظيم الخاص وتدريبها على حمل السلاح.. وهو ما نراه يتكرر على يد وزير الشباب الإخوانى أسامة ياسين قائد الفرقة ٩٥ إخوان.. والذى كان يبحث فى مراكز الشباب عن العناصر المتميزة فى الألعاب القتالية لضمها لذلك التشكيل الذى حلم الإخوان بتأسيسه ولم يكن أبدًا غريبًا عن واقع الجماعة ولا عن ماضيها.. والحقيقة أن الصحف الخاصة فى تلك الفترة لعبت دورًا هامًا فى كشف ألاعيب الإخوان ومؤامراتهم.. حيث كانت الأخبار من هذا النوع تجد طريقها للصحف فتنشرها بعد التأكد من صحتها وقد نشرنا فى جريدة الصباح خبر زيارة المسئول الأمنى السرية مصر ودخوله البلاد متنكرًا.. ولا شك أن هذا أسهم فى توعية المصريين بالأخطار التى تتهدد مصر من جراء سياسات الإخوان.. وكان من الواضح أن نائب المرشد خيرت الشاطر قد أخذ على عاتقه تشويه سمعة الجيش المصرى للمداراة على انكشاف كذبة الإخوان بأن وزير الدفاع عضو فى الجماعة.. وترويج ذلك كنصر سياسى غير مسبوق.. بينما هو كذبة كبيرة روجها الإخوان وكانوا يتمنون لو أصبحت حقيقة.. وما إن أدرك الإخوان أن ولاء الجيش المصرى وقائده لمصر فقط حتى عادوا بسيرتهم فى الإساءة للجيش وتشويه سمعته ومحاولة اغتياله معنويًا.. وهى خطة كانوا قد بدأوها فى المرحلة الانتقالية عقب يناير ٢٠١١ واستخدموا فيها بعض الفصائل الفوضوية التى أعانتهم على مهمتهم بحسن أو بسوء نية.. وما إن أعلن الجيش موقفه كطرف محايد بين أطراف الصراع السياسى وأطلق دعوة للحوار الوطنى حتى استهدفته لجان الإخوان الإلكترونية ونسب للمرشد محمد بديع تصريح قال فيه إن جنود مصر طيعون لكن المشكلة فى القيادات.. أو شىء من هذا القبيل.. وكان أن انطلقت حملة إلكترونية للإساءة للجيش المصرى رصدتها القوات المسلحة على حد ما ورد فى الأحداث وقد جسدت الأحداث مشهد مواجهة موثق بين الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع وبين محمد مرسى مندوب الإخوان فى الاتحادية والذى كان يبدو غير مسيطر على الأحداث وبدا وكأن وزير الدفاع ينقل من خلاله رسالة لخيرت الشاطر ولمكتب الإرشاد الذى كان يدير أمر اللجان الإلكترونية وقد كان نص الرسالة حازمًا وواضحًا ويمكن أن نقول إنه يتسم بالمهنية والوضوح ولا يحمل صيغة عداء بقدر ما يضع النقاط على الحروف ويترك لمن يريد أن يفهم أن يفهم، فقد قال الفريق السيسى فى هذا اللقاء إن المساس بالقوات المسلحة أمر غير مقبول.. ولن يكون مقبولًا بأى شكل.. وأضاف أن القوات المسلحة التزمت الحياد طوال الفترة السابقة «منذ انتخاب مرسى فى يونيو ٢٠١٢» وابتعدت عن المشهد السياسى بكل صراعاته، سواء كان الطرف الذى ابتعدت عنه هو النظام أو المعارضة.. وطلب السيسى من الإخوان عبر محمد مرسى أن يبتعدوا بالجيش عن صراعهم مع المعارضة.. وأضاف وزير الدفاع «الجيش المصرى جيش وطنى عظيم.. صلب.. وصلابته تأتى من شرفه.. إحنا نستحمل الحديد والنار لكن تخدشنا كلمة.. نجرح ونشعر بالإهانة.. والإهانة فى العسكرية المصرية هى إساءة للكبرياء الوطنى.. ما بنستحملهاش».. وأضاف.. «تحملنا الكثير طول السنين الماضية لأننا لا نرى غير المصلحة العليا للبلد والمصلحة العليا لكل المصريين.. لكن رجاء.. ابعدوا الجيش عن صراعات السياسة وما يحدث يجب أن يتوقف الآن.. لا توجد دولة محترمة تسمح بإهانة جيشها وأنا لن أسمح بهذا أبدًا».. هذا المشهد رد على أذناب الإخوان الذين يظهرون محمد مرسى وكأنه أسد هصور كان الآخرون يرتعدون فى وجوده.. والحقيقة أنه رجل «طيب» أو «إمعة» لا يهش ولا ينش، كما يقول المثل السائر.. وقد أجاد الفنان صبرى فواز فى تجسيد الصراع الدائر داخله بين أن يكون صاحب قرار يملأ مركزه وبين ولائه للجماعة التى صنعته وأتت به لقصر الاتحادية والتى ربته هو وكل أعضائها وفق قاعدة تقول «أنت بنا ولست بغيرنا.. ونحن بك وبغيرك».. والمعنى أنه لا قيمة لمحمد مرسى وغيره بدون الإخوان، فى حين أن الإخوان يستطيعون أن يأتوا بأى شخص غير مرسى ليجلسوه كمندوب للجماعة فى الاتحادية.. أما المشهد الوثائقى فى النهاية والذى يبدو فيه الشاطر ومرسى كتلميذين يتعرضان للتأنيب أو يتلقيان درسًا من اللواء السيسى مدير المخابرات الحربية فهو مشهد كاشف للكثير من الأمور ويرد على كثير من الأوهام ولعل الحلقات المقبلة ستكشف المزيد والمزيد.