رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار ٣.. بين الواقع والخيال «٩»

رئيس «مسلم» وليس «متأسلم»

المسلسل يواصل تفكيك رواية المظلومية التى صاغها الإخوان ببراعة كذبة وراء كذبة وقصة وراء قصة 

قصة تعرُّض الإخوان للخداع واحدة من أكثر الشائعات الإخوانية رواجًا لأنها تعفيهم من مسئولية الفشل 

الفارق بين تدين المصريين وتدين الإخوان هو الفارق بين «الإسلام» و«التأسلم» وهو فارق لا يدركه الإخوان أنفسهم 

الرئيس السيسى متدين مثل ملايين المصريين وتدينه ذو نزعة صوفية وهو تدين يخاصم الجماعات المتاجرة بالدين وفكرته الأساسية تقوم على الحب واللين وليس على الخوف والقهر 

قيمة مسلسل الاختيار هى أنه أداة قوية للرد على شائعات الإخوان، هو يعيد رواية ما حدث كما حدث فعلًا، يضع الأحداث لنراها من منظور عدسة مستقيمة لا مقعرة ولا محدبة، يفكك سرديات الإخوان التى وضعوها بجانب بعضها البعض لتخلق رواية كبرى أساسها فكرة «المظلومية» وهى جواد الإخوان الرابح منذ ١٩٤٨ حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. من هذه السرديات الكاذبة أن مرسى تعرض لعملية خداع كبرى من الفريق عبدالفتاح السيسى وأنه أوهمه أنه متعاطف مع أفكار الإخوان.. هذه أكذوبة كبيرة.. يعرف الإخوان أنفسهم مدى كذبها.. لكنها تساهم فى بناء صورة الرئيس الضحية الساذج.. حسن النية.. الذى تعرض للخيانة والخداع.. وراح نتيجة حسن نيته.. وهى رواية كاذبة وأولى علامات كذبها هى خبرة الإخوان أنفسهم كتنظيم حديدى له طابع تخابرى ولديه جهاز معلومات ويعرف أن الجيش المصرى عصى على الاختراق من أى تيار متطرف باستثناء حالات محدودة تعود معظمها إلى فترة السبعينيات وهى فترة اختلط فيها حابل مصر بنابلها ودفع المسئولون عن ذلك الثمن غاليًا.. والحقيقة أن الإخوان روجوا فكرة أنهم تعرضوا للخديعة حتى يعفوا أنفسهم من المسئولية عن الفشل السياسى وعن القرار الخاطئ بخوض الانتخابات الرئاسية، وفى ابتلاع لقمة السلطة قبل الأوان.. والحقيقة التى يؤكد عليها المسلسل أن الرئيس السيسى رئيس «مسلم» وليس رئيس «إسلامى» أو «متأسلم».. وهذا هو الفرق الذى عرفه فريق من الإخوان ومنوا أنفسهم بتغييره.. ولم يعرفه فريق منهم بسبب عقيدتهم التكفيرية التى تخلط بين الإسلام والتأسلم، وتظن أن الانتماء للجماعة مواز لإسلام الفرد وتدينه، وبالتالى فما دام وزير الدفاع يؤدى فروض دينه فهو إخوان ولو فى السر وهو جاهز للانضمام لعضوية التنظيم بعد أن زال الخطر وأصبح قصر الاتحادية نفسه مسكونًا بواحد من الإخوان المسلمين، ولم يسأل الإخوان أنفسهم على أى عقيدة عسكرية ووطنية تربى ضابط وطنى مثل الرئيس السيسى منذ كان عمره ثلاثة عشر عامًا.. وهل يمكن تغيير عقيدة تكونت عبر خمسة وأربعين عامًا مثلًا فى غمضة عين. 

فى عام ١٩٨٧ كنت صبيًا يافعًا.. قادتنى قدماى إلى لقاء فكرى للراحل العظيم أحمد بهاء الدين.. فى اللقاء كان الكاتب الكبير ينتقد الإخوان بشدة.. وقال إنه ضد إطلاق لفظ «الإسلاميين» على جماعات الإسلام السياسى لأننا بهذا نمنحهم شرعية الحديث باسم الإسلام، وكأن الآخرين ليسوا مسلمين.. أثر فى حديث الأستاذ أحمد بهاء الدين.. وساهم فى خلق وعى نقدى مبكر لدى تجاه المتحدثين باسم الدين.. بعد قليل من دعوة الأستاذ أحمد بهاء الدين بادر الدكتور رفعت السعيد بنحت مصطلح جديد يصف به المتاجرين باسم الإسلام السياسى وهو «المتأسلمين» أى الذين يدعون الانتساب للإسلام أو الحديث باسمه.. وقد استدعيت هذه الذكريات لذهنى وأنا أشاهد حلقة الأمس من مسلسل «الاختيار ٣» وبالتحديد مشهدين كان بطلهما الرئيس السيسى وهو وزير للدفاع.. أولهما حوار مع كريمته تشكو له فيه من اعتقاد بعض زملائها أنه ينتمى لجماعة الإخوان، وتقول إن ذلك بسبب صلاته وعباداته، ويؤكد هو لها فى الحوار أن تدينه لا يعنى أنه ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين.. أما المشهد الثانى فهو ذلك الحوار الذى يدور بين الرئيس الإخوانى محمد مرسى وبين وزير الدفاع ويعرض عليه فيه دخول الجماعة ليحول الشائعة إلى حقيقة فيرد وزير الدفاع ردًا واضحًا وحاسمًا يقول فيه إنه ليس من الإخوان ولن يكون من الإخوان وإنه ليس سلفيًا ولن يكون سلفيًا وإنه مسلم وكفى وإنه يختلف مع الإخوان فى المنهج.. والأكيد مليون فى المئة أن المشهد قد جرى بحذافيره، وأنه مبنى على تصريحات للرئيس كشف فيها هذا الحوار من قبل.. فمحمد مرسى مثل أى إخوانى يعتقد أن عليه تجنيد أكبر عدد من المصريين لعضوية الجماعة فما بالك لو كان من توجه له الدعوة هو قائد الجيش المصرى بكل ما له من ثقل مادى ومعنوى.. وملخص المشهدين الهامين فى حلقة الاختيار أن الرئيس السيسى رئيس «مسلم» وليس رئيس «متأسلم»، وهو الفرق الذى لم يستوعبه الإخوان لأنه ينفى عنهم شرعيتهم التى بنوها على الطعن فى تدين كل من اختلف معهم وكشفهم، وأولهم الرئيس السيسى الذى كان أحد أهم التفاف المصريين حوله أنه يشبه المصريين العاديين، فهو ابن الطبقة الوسطى من حى قديم وعريق هو «الجمالية»، وهو يحمل صفات المواطن المصرى ابن البلد، فهو «محافظ أخلاقيًا» لكنه ليس متشددًا ولا متطرفًا.. وهو أقرب للطبعة المصرية من الإسلام التى تشوبها نزعة صوفية ترى فى الدين طاقة للتراحم واللين والرفق بالضعيف لا طاقة للكره أو إيذاء الآخرين باسم الدين.. والحقيقة أن الطبيعة المحافظة للرئيس كانت مثار نقاشات بين عدد من الخائفين على هوية الدولة المدنية فى مصر منذ وقت مبكر وأذكر أننى كنت مطمئنًا للغاية منذ أول لحظة، فالخطوات المبكرة التى قام بها الرئيس تجاه ترسيخ حقوق المرأة ومشاركتها وتجاه الحريات الدينية لكل المصريين وتجاه إعلاء قيمة الفن والفنانين المصريين كانت تكشف عن حس «تقدمى» عال و«التقدمية» ليست مذهبًا سياسيًا بعينه، ولكنها نظرة تسعى للسير نحو المستقبل وتغيير الأوضاع القديمة الظالمة والراكدة.. وبالتالى يمكن القول إن الرئيس السيسى بثقافته الدينية ونزوعه نحو إصلاح الدين من داخل المؤسسات الدينية وبأيدى علمائها قد أبطل حجة الإخوان المسلمين وادعاءهم بأنهم يحتكرون الإسلام وبأنهم الوحيدون المتحدثون باسمه وبأن «الحجاب» مثلًا مظهر إخوانى ودليل على نجاح الإخوان كما قال نائب المرشد أحمد الملط ذات يوم فى عام ٢٠٠٦.. لقد كانت هذه محاولة من الإخوان لسرقة تدين المصريين ونسبه لأنفسهم.. لكن الحقيقة أن تدين المصريين ظاهرة فيها الحقيقى وفيها المزيف وفيها الجوهرى وفيها الشكلى وفيها ما يتمسك بالطقوس وفيها ما يمس القلب.. وقد أسقط المصريون بعد ٣٠ يونيو أشكال التدين المزيف وحاولوا الحفاظ على ما هو حقيقى.. وقد ساعد فى هذا وجود رئيس مسلم مثل كل المصريين لا رئيس «متأسلم» لا يشبه أحدًا سوى جماعته.