رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل لطفى يكتب: أبو الفتوح.. نموذج لسياسى متلاعب عرفته مصر فى فترات الانتقال

اللقاء بين المرشد والمشير السيسى يكشف عن دستور الجيش المصرى الثابت منذ عقود 

كل مؤسسات الدولة كانت تعترف بشرعية محمد مرسى لكنه هو الذى قضى على شرعيته واكتسب عداء الشعب فى سرعة البرق 

سرد الحقائق يقضى على فكرة مظلومية الإخوان وهى أهم أسلحتهم فى ابتزاز المصريين عاطفيًا 

ما قاله «أبوالفتوح» للمجلس العسكرى متسق مع تاريخه فى لعب أدوار خفية منذ إعادة إحياء الإخوان لدعم الجهاد الأفغانى بدعم من قوى إقليمية 

الإخوان فصلوه بسبب تحركه بمفرده وتقارير أشارت لتضخم ثروته بعد ترشحه فى الانتخابات الرئاسية

«المظلومية» هى جنة الإخوان وسبب وجودهم.. بدونها تفقد الجماعة أقوى أسلحتها فى ابتزاز المصريين، لذلك تؤلم الحقيقة الإخوان ويعلو صراخهم، حجم صراخ لا يتناسب مع محاولة التقليل من «الاختيار» والتعامل معه على أنه مجرد مسلسل.. والحقيقة أنه ليس كذلك.. هو توثيق جرىء ومحكم لما جرى فى مصر خلال الأعوام الأخطر فى تاريخها.. تنزل الدولة من خلاله لحلبة تشكيل وعى المصريين بعد عقود طويلة غابت فيها عن هذا الدور، وكانت النتيجة ما نعرفه جميعًا.. فى السطور المقبلة نواصل تذكر الأحداث التى جرت فى تلك الأيام بالتوازى مع مشاهد المسلسل مع إلقاء الضوء على بعض التفاصيل التى ضاقت عنها المشاهد.

من الأسرار التى يكشفها المسلسل ذلك اللقاء الوحيد الذى جرى بين مرشد الجماعة «محمد بديع» و«الفريق» السيسى وزير الدفاع وقتها.. محمد بديع أستاذ فى جامعة بنى سويف، اعتقل وهو طالب على ذمة تنظيم سيد قطب، وكان من مجموعة يطلق عليها منافسوهم من الإخوان مجموعة العشرات.. فى إشارة إلى أنهم حصلوا جميعًا على أحكام بالسجن عشر سنوات فى قضية ١٩٦٥ الشهيرة بتنظيم سيد قطب، فى المشهد ترى المرشد يحاول أن يتألف قلب وزير الدفاع، أو يستميله، أو ينافقه، أو يستكشف أعماقه.. يمنحه بركته الدينية ويرى رد فعله على ذلك.. هل سيسعد؟.. هل سيهتز من داخله؟.. من الناحية النفسية ترى أن وزير الدفاع فى حالة ثبات انفعالى طوال الوقت، وأنه يضع خطوطًا عامة، فهو يرد على سؤال المرشد عن سبب عدم التقارب بأنه غاضب من تدخل خيرت الشاطر والبلتاجى فى شئون المؤسسات الأمنية دون سند قانونى ودون صفة رسمية، هو يتحدث كرجل دولة ويقول إن الرئيس له صلاحيات دستورية، وإنه هو الوحيد الذى له صفة اتخاذ القرارات.. هذا المشهد يرد بشكل غير مباشر على دعايات تنشر صورة مثلًا لوزير الدفاع وهو يؤدى اليمين أمام محمد مرسى وهو فى منصب رئيس الجمهورية.. والحقيقة أن كل مؤسسات الدولة اعترفت بنتيجة الانتخابات، لأن هذا كان أسلم طريق للحفاظ على مصر، ولم يكن هناك أى مانع من أن يأتى رئيس من أى اتجاه ما دام يلتزم بالثوابت الوطنية، والتوجهات الاستراتيجية للدولة المصرية.. المشكلة ظهرت مع محاولات الأخونة الضاغطة والغشيمة واللاهثة، ثم مع الإعلان الدستورى الذى أراد تغيير قواعد اللعبة من طرف واحد، ثم مع إشعال الإخوان للصراع السياسى بشكل أنذر بحرب أهلية، ثم مع خروج الناس غاضبين فى ٣٠ يونيو، ورفض الإخوان لانتخابات مبكرة ولأى حل وسط.. فيما عدا هذا لم تكن هناك مشكلة فى أن يأتى رئيس من أى فريق، ما دام الناس تؤيده، وهو ما لم يتحقق فى حالة مرسى الذى رفضه الناس بسرعة البرق.

أخطر ما قام به الإخوان فى الحقيقة، لم يكن تلك المحاولات الساذجة للتدخل فى مؤسسات الدولة الأمنية، دون صفة قانونية، أو مهنية، ودون سابق معرفة، وهى قصة تكشف مدى سذاجة الإخوان، ولا معقولية تفكيرهم.. يشبه الأمر أن يذهب مدرس لمستشفى ما، ويقول إنه جاء ليفتش على سير العمل فيه! ويراقب كفاءة الأطباء بداخله! والطبيعى أن هذا سيكون محل رفض من الناحية المهنية والمبدأية.. فضلًا عن بُعد آخر، وهو أن كل الضباط فى هذه الأجهزة تربوا على أن يكون ولاؤهم للوطن كمعنى عام، وللدولة كمعنى قانونى، وأنهم فى سبيل هذا كثيرًا ما استهدفوا الإخوان، وطاردوهم، كجماعة طالما استهدفت إسقاط الدولة الوطنية، واستبدالها بدولة دينية، وبالتالى كان طلب تغيير قناعاتهم وعقيدتهم وولائهم خلال أيام قليلة، لمجرد أن مرشح الإخوان فاز بنسبة ٥١٪ فى انتخابات تحوطها الريبة والظنون.. هذا الطلب كان فوق حدود الخيال والمعقول، وأظن أن محاولات التدخل الإخوانية لعبت دور الفيروس الغريب الذى يدخل الجسم فيحفزه على المقاومة، وهو ما قام به ضباط هذه الأجهزة الذين أحسوا بالخطر على الدولة المصرية، وعلى الأفكار التى يؤمنون بها، وعلى قناعتهم الشخصية، وبالتالى فقد كانت هذه المحاولات مفيدة من حيث أرادت أن تضر.. لكن المسلسل يرصد نوعًا آخر من الخطر تكوَّن وقتها، وكلف مصر دماء زكية، وجهودًا كبيرة حتى تم دحره، وهو تنسيق الإخوان مع الحركات التكفيرية فى سوريا والعراق وأفغانستان، من خلال القيادات التكفيرية التى أفرج عنها وأهمهم محمد الظواهرى ونصر غزلان وآخرون.. وأظن أن الفكرة كانت فكرة خيرت الشاطر الذى رعى التحالف مع العناصر التكفيرية فى الجماعة الإسلامية وموّل بعضهم، وكانت سيناء هى الملعب المفضل، بسبب طبيعتها، وقربها من قطاع غزة، وسهولة التسلل إليها من الأنفاق التى تسيطر عليها حماس، وأظن من التفاصيل المهمة الحديث عن استخدام التكفيريين وسائل الاتصال عبر السوشيال ميديا فى التجنيد وتبادل المعلومات، وترويج الشائعات، استغلالًا للطفرة التى حدثت فيها عقب ثورة يناير.

من أهم مشاهد الحلقة الثالثة من الاختيار، مشهد النهاية، وهو مشهد واقعى بطله عبدالمنعم أبوالفتوح عضو مكتب الإرشاد المستقيل، والمرشح فى الانتخابات الرئاسية فى ٢٠١٢، ورئيس حزب مصر القوية فيما بعد، فى المشهد يظهر أبوالفتوح وكأنه يتحدث لأعضاء فى المجلس العسكرى «ربما للرئيس السيسى نفسه» ويحذر من سيطرة الإخوان على مصر، ويقول إنه سينتخب أى مرشح عسكرى يرشح نفسه ضد الإخوان حتى ولو كان المشير طنطاوى نفسه! والحقيقة أن الفترة الانتقالية التى قضاها المجلس العسكرى فى حكم مصر عقب ثورة يناير، كانت تحتوى على تفاصيل كثيرة، حيث ذهب لهم الجميع، وتحدث الجميع عن الجميع، وتكشفت حقائق وطبائع كانت خافية، وأظن أن كل هذه التفاصيل والصغائر والمطامع، أثرت جدًا فى نظرة الرئيس السيسى للنخبة المصرية، حيث كان حاضرًا فى جميع هذه اللقاءات بحكم منصبه كمدير للمخابرات الحربية، وبحكم أنه يعرف أكثر من غيره، وأظن أن هذا ينطبق على أبوالفتوح، كما ينطبق على غيره، فهو كما يبدو من المشهد المسجل يحاول أن يصفى حسابه مع خيرت الشاطر الذى فصله من عضوية الجماعة، وحرمه من أن يصبح مرشدًا لها، وهو أيضًا يقدم نفسه للمجلس العسكرى كحليف أو مرشح يحظى بالدعم، أو يمارس نوعًا من الخداع طالما عرف به الإخوان.. فهو يحذر من جماعة الإخوان وهو نفسه إخوان!.. أبوالفتوح شخصية غامضة فى تاريخ مصر.. جنده الشيخ محمد الغزالى وهو طالب ثانوى، وأسند له مهمة تأسيس الجماعة الإسلامية فى جامعات مصر المختلفة.. الغزالى وقتها كان وكيل وزارة الأوقاف المصرية.. كان منذ ١٩٥٤ رجل الدولة لدى الإخوان ورجل الإخوان لدى الدولة.. اختلف مع حسن الهضيبى فى ١٩٥٤ فاستقطبه عبدالناصر وسلمه وزارة الأوقاف مع أحمد حسن الباقورى والسيد سابق.. ظل معاديًا للإخوان حتى اللحظة التى قرر فيها الرئيس السادات إعادة إحياء جماعة الإخوان فتذكر الغزالى ولاءه للجماعة.. أسس أبوالفتوح الجماعة الإسلامية وسط دعم رسمى كبير.. ميزانيات مفتوحة للاتحادات الطلابية، ومعسكرات إعداد للطلبة يحضرها الآلاف ويحاضر فيها الغزالى وكشك والشعراوى، وتدرس فيها كتب الإخوان.. يروى فى مذكراته أن الدكتور صوفى أبوطالب نائب رئيس جامعة القاهرة كان مسئول الاتصال معه، وأن أى نزاع بينه وبين الداخلية كان يحسم على الفور لصالحه!.. بعد أن اتسع جسد الجماعة الإسلامية وجندت عشرات الآلاف من الطلاب أخذهم أبوالفتوح ودخل بهم جماعة الإخوان فأحياها من جديد.. لعب أدوارًا متفقًا عليها فى أفغانستان من خلال اتحاد الأطباء العرب ومنظمات الإغاثة الإسلامية، وكان ذلك ضمن خطة إقليمية وأمريكية مدعومة.. بعد يناير ٢٠١١ ارتكب الخطأ الذى لا تحبه الجماعة، مد الجسور مع قطر بشكل منفرد، وبدا أنه يميل للتركيبة التى روجتها قطر- وقتها- وهى تركيبة من ابتكار عزمى بشارة.. خلطة إخوانية- يسارية- ليبرالية تستفيد من خبرة الإخوان فى العمل الجماهيرى ومن رطانة اليسار الفكرية، وتجعل إسقاط الدولة الوطنية هدفًا مشتركًا، فصله الإخوان لهذا السبب فترشح للانتخابات الرئاسية.. تبدلت أحواله المالية وسكن فى فيلا بالتجمع، وأصبح شقيقه وابنه شريكين فى شركة مقاولات كبيرة بنت عدة أبراج فى القاهرة، وقيل إن هذا التحول كان على هامش تمويل ضخم تلقاه فى الانتخابات الرئاسية تحت بند «تبرع لمصاريف الحملة الانتخابية».. ظل يلعب على كل الأطراف حتى اللحظة الأخيرة، أيد ٣٠ يونيو ثم عارضها، كان يضع قدمًا مع الإخوان، وأخرى مع ٣٠ يونيو، ثم قال إنه ليس مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فلم يكسب شيئًا فى النهاية.. قصة درامية مثيرة، ونموذج لذوى الذكاء المحدود حين يظنون أنهم أذكى من الجميع.