رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إبراهيم عيسى.. "النجم إذا هوى"

لن أدافع هنا عن حادثة المعراج، فلها رب يحميها، ولن أتورط في الهجوم أو الدفاع عن شخص إبراهيم عيسى الذي احترف منذ سنوات إثارة الجدل السياسي والإعلامي والثقافي، فطرحه لعدم قطعية ثبوت معجزة المعراج، على قناة القاهرة والناس، قد سبق وأثاره عام 2019 على قناة الحرة في برنامجه "مختلف عليه" بشكل أكثر وضوحًا وجرأة، ولم تقم الدنيا وقتها، بل لم يلتفت أحد لما صنع أو قال.

فقضية المعراج في حد ذاتها قد شكلت جدلًا دينيًا وفكريًا عميقًا لدى مختلف الفرق والمذاهب على مدار التاريخ الإسلامي منذ تاريخ تدوينها الذي تزامن مع تاريخية تدوين السيرة النبوية، وغيرها من كتب الأحاديث الكبرى، والتي وصل إلينا أقربها بعد ما يقارب المائتي عام بعد وفاة النبي (ص)، والخلاف حول روحانية أو جسدية الرحلة إلى السماوات العلى، ورمزية المعجزة وأهميتها، بل وتأثر الفكر الإسلامي بحكايات المعراج المشابهة التي وردت في مختلف الديانات القديمة والسماوية.. وكذلك ما شكله المخيال الشعبي أحيانًا من إضافة أو حذف تحولت مع مضي الزمن إلى حقائق ومسلمات بديهية يستحيل معها النقاش أو محاولة التساؤل حولها.

ورغم كل هذا الجدل حول المعراج لم تجرؤ فرقة أو جماعة على إنكار حدوثه بالكلية، بل العكس تمامًا هو ما حدث، فقد استغلته كل التيارات والفرق الإسلامية، وأصبغت على الحادثة من التأويلات والتفسيرات المتعارضة أحيانًا، لتكرس فكرها أو منهجها الديني أو الفكري أو السياسي.

القضية الأكبر من وجهة نظري، تتلخص في عدة نقاط محددة، فما الجدوى من مناقشة قضية تراثية إيمانية بحجم معجزة المعراج في مجتمع كمجتمعنا المصري الذي تشكل وعيه الديني على معجزات الأنبياء والأولياء، لدرجة يصعب معها التشكيك في كرامة ولي، فضلاً عن التساؤل حول معجزة نبي؟

فالخروج بمثل تلك الإشكاليات من الإطار الفكري أو التراثي إلى الشارع لن يؤدي إلا لمزيد من الضجيج والبلبلة المجتمعية، ونحن في غنى عنها، خاصة أمام العديد من التحديات التي تواجه وطنًا بأكمله، سواء داخليًا أو خارجيًا.

ذلك التشتيت المجتمعي لن يصب إلا لصالح الجماعات المتطرفة أو التيارات السلفية على اختلافها، والتي استطاعت وعلى مدار عقود أن توظف معجزة المعراج، خاصة ما روي من مشاهد العذاب، كمادة خصبة في ترويع المصريين وتخويفهم، لضمان مزيد من السيطرة والنفوذ الاجتماعي، وبالتالي ستعمل على استغلال الجدل الذي تسبب فيه الإعلامي إبراهيم عيسى الذي جانبه الصواب كثيرًا في توقيت وأسلوب طرح الفكرة، فضلًا عن طرحها من الأساس، لتجييش المجتمع حول قضية دفاع مقدس عن الدين ككل، مما قد ينذر بمشاكل لا تُحمد لها عاقبة، فكأن إبراهيم عيسى هوى بنا جميعًا في فخ السلفية التي طالما هاجمها، لدرجة صدور بعض الفتاوى التي كفرت وأقرت بارتداد عيسى عن الإسلام.

مما قد يضطر الدولة متمثلة في العديد من مؤسساتها، إلى التدخل وبحسم، دفاعًا عن مسلمات المجتمع وإيمانياته، في محاولة الحد من استغلال الجماعات الدينية لتلك القضية، وما أثارته من أزمات، وسيفتح الباب كذلك لمزايدات إعلامية ضد أو مع إبراهيم عيسى، مما قد يضخم من حجم المشكلة داخل المجتمع، وكأننا أمام قضية مصيرية.

والأخطر أننا نكتشف في كل أزمة عدم قدرتنا على النقاش الحر، وغياب حرية التعبير عن كافة التيارات، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى في الشارع العادي، فثقافة الاختلاف تظل هي الفريضة الغائبة لدى أغلبنا، فنحن قاب قوسين أو أدنى من القتل المعنوي لكل مختلف مع ما نؤمن أو نعتنق، لمجرد فكرة تبدو في مظهرها خطيرة رغم خفة طرحها وسطحيته.

الأمر لم يتوقف فقط عند التيارات السلفية أو حتى عامة الخلق، بل إن الأمر تعدى إلى أصحاب الفكر التنويري أو العلماني، الذين تورطوا في حالة دفاع غوغائي، لا عقل له، عن شخص إبراهيم عيسى وليس فقط عن فكره، ورفعوه إلى عليين من أصحاب الرسالات، بطفولية لا تليق بمن يدعون النضج الفكري أو الوعي الثقافي.

خلاصة القول، علينا أن ندرك تمامًا أن مهاجمة ثوابت الإيمان لدى المجتمع مغامرة غير مأمونة العواقب، وتحتاج إلى عمق في الطرح، وحذر شديد في التناول، وأدلة يقينية ليس بها ظن أو شك.. كما أن علينا جميعًا أن نتعامل مع كل اختلاف كونه أمرًا بديهيًا، فلن تصح الحياة في ظل الصوت المتكرر أو الفكر الموحد الذي لا شريك الله، فالأصل في الأشياء التنوع.. فحرية التفكير وعدم التحريض الشخصي ضد كل مختلف هي المعراج الذي سيصل بهذا الوطن إلى سدرة المنتهى.